IMLebanon

cباريس تبحث عن مقاربة أميركية واقعية لمسألة حزب الله توفّق بين القائم والممكن

 

تُظهر المعطيات الديبلوماسية الواردة الى بيروت بعض البشائر. ذلك أن قراءة اولية لدينامية باريس المتجددة في المسألة اللبنانية تبيّن ان ثمة عملا تراكميا، بدأ فعلا، لإعادة إحياء المبادرة الفرنسية التي باتت تحظى تباعا بقبول دولي – فاتيكاني، ولا سيما أميركي، لم يكن متوفرا زمن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

 

من يستمع الى مسؤولين فرنسيين يجد لديهم دأباً لتحقيق خرق ما لبناني فشلت باريس في تحقيقه في النسخة الأولى من مبادرة الأول من أيلول (في قصر الصنوبر). لكن هؤلاء يظهرون كذلك فهما أكثر عمقا للواقع اللبناني المتشابك، مع إعتراف بأن الدخول الفرنسي الأول على الأزمة كان عاطفيا، مما تتسبب بتعثرها نظرا الى أن الحماسة التي ظهر عليها الرئيس إيمانويل ماكرون كانت هي الطاغية، بالتوازي مع نقص في تلقف العقلية اللبنانية وإستيعابها ومحاصرة نوايا التعطيل والتأخير لدى كل من وجد في الحراك الفرنسي مسّاً بمكتسباته، والأهم أذى مباشرا لمصالح شخصية تراكمت لدى جهات سياسية على إمتداد 3 عقود من الجمهورية الثانية. وكان ماكرون قاسيا في إتهامه الطبقة السياسية بالتلاشي والتلكؤ وصولا الى إتهام بعضها بالسطو على مقدرات الدولة وعلى المال العام، فيما كانت ذروته في الإصرار على التدقيق في حسابات مصرف لبنان، لإدراكه التام بأن فكفكة شيفرة المنظومة المالية ستكشف فظائع الطبقة السياسية، وتفضح كل من إنخرط في سرقة موارد الدولة وأموال اللبنانيين.

 

ومن يستمع الى المسؤولين الفرنسيين إياهم، يصل الى خلاصة واضحة، وربما ناضجة، مفادها الآتي:

 

1- لا تزال المبادرة الفرنسية حية ترزق. وتتحضّر باريس للإعلان عن نسخة محدثة لها، لا تزال تحافظ على ركنيها المعروفين والمتفق عليهما لبنانيا، أي حكومة مهمة اولا ومن ثم الدعوة الى حوار سياسي موسّع، لن يقتصر هذه المرة على القيادات التي حضرت حوار قصر الصنوبر في أيلول 2020. فالمعنيون في الديبلوماسية الفرنسية يواظبون على وضع لائحة جديدة بمدعوين محتملين من الأحزاب السياسية، كما من القوى الحية.

 

ثمة قناعة في الأليزيه بأهمية إشراك الخليج في أي مسار لحل لبناني

 

2- بات الغطاء الأميركي متوفرا للمبادرة، الأمر الذي كان متعذرا قبل 20 كانون الثاني. وتردد أن مسؤولا كبيرا في الأليزيه مهّد للإتصال الأول بين الرئيسين ماكرون وجون بايدن (ولاحقا الإتصال بين وزيري الخارجية جان إيف لو دريان وأنطوني بلينكن)، من خلال زيارة سريعة قام بها الى واشنطن حيث إلتقى مسؤولين رفيعين، توصلا الى التوافق على دعم المسعى الفرنسي في لبنان وتوفير أقصى درجات نجاحه. وتحضّ باريس، في هذا السياق، واشنطن على التخفيف من موقفها الحاد تجاه إشراك حزب الله في الحكومة اللبنانية، وبلورة موقف واقعي أميركي يوفق بين القائم والممكن. بمعنى أنه ليس المطلوب تغيير دراماتيكي في موقف واشنطن من الحزب، بقدر ما ترغب باريس في مقاربة أميركية واقعية للتركيبة اللبنانية بخصوصيتها المذهبية، وتحديدا المساحة التي يحظى بها الحزب في الشارع الشيعي.

 

3-تبحث باريس في ما سيكون عليه موقف دول الخليج تحديدا من الحل اللبناني المنشود، علما أن الإتصالات الأولية التي أجرتها مع هذه الدول لا تؤشر الى تغيير في الموقف المعلن والمعروف القائم على ترك لبنان لمصيره المأسوي، عقابا له على موقفه من الخلاف الخليجي – الإيراني، ودور حزب الله محليا وإقليميا. وثمة قناعة فرنسية بأهمية إشراك الخليج في أي مسار لحل لبناني، مع التعويل على تدخّل أميركي محتمل، متى إقتضى الإلحاح، لتليين التشدد القائم.

 

4-مع تيقّن الإدارة الفرنسية بأن أي حل لبناني مرتبط بشكل من الأشكال بتطور المسار الحواري بين واشنطن وطهران، لكنها أيضا تجهد لإحداث فصل جزئي يؤدي الى ترييح الوضع اللبناني، بدءا من تشكيل الحكومة، يليها الحوار السياسي الموعود في جوهر النظام وجدوى الحفاظ على الستاتيكو النظامي القائم، وهو ما سبق للرئيس الفرنسي أن سمّاه عقدا سياسيا جديدا لبنان. ومن غير المستبعد أن تستقبل باريس، او محيطها الريفي الجميل، حوارا لبنانيا موسعا يرمي الى طرح كل الهواجس اللبنانية في طبيعة النظام وعثراته الكثيرة، تمهيدا للخروج بالعقد الجديد العتيد.