Site icon IMLebanon

vأسباب جوهرية وراء اللامبالاة الفرنسية…

 

باريس لا تأسف على الحريري أو غيره من أركان المنظومة

 

يدرس كل فريق مدى تأثير إنسحاب الرئيس سعد الحريري وتياره من الحياة السياسية، إذ إنه ليس من السهل ملء الفراغ الذي سيتركه غياب «الحريرية السياسية».

 

عدا عن إمتداداتها على الساحة السنية والوطنية، فإن «الحريرية» كانت تتميّز بالعلاقات الإقليمية والدولية التي نسجها الرئيس رفيق الحريري، فالأخير كان يُصنّف من أهم الرجال العالميين والمؤثرين في السياسة الخارجية. كان الحريري الأب يستقلّ طائرته الخاصة ليزور حينها الرئيس الأميركي جورج بوش ويُعرّج على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير والرئيس الفرنسي جاك شيراك، والمستشار الالماني غيرهارد شرودر ورئيس وزراء إسبانيا خوسي ماريا أزنار ورئيس حكومة إيطاليا سيلفيو برلسكوني، ومن ثمّ يعود ليلتقي الرئيس المصري حسني مبارك والملك فهد بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد.

 

بنى الحريري شبكة علاقات دولية وورثها نجله سعد وحافظ على قسم كبير منها، لكن العلاقات المميزة والثابتة كانت بين آل الحريري والرؤساء الفرنسيين.

 

وكان الحريري الأب أكبر الداعمين لشيراك في معاركه الإنتخابية الفرنسية، وشيراك كان أكثر المتأثرين باغتياله، من ثمّ إستكملت علاقة آل الحريري مع الرؤساء نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند إلى أن وقعت الواقعة مع الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.

 

وللدلالة على مدى تقدّم العلاقة، فإن أول من نسج العلاقات اللبنانية – الفرنسية كان الموارنة، لكن مع مجيء رفيق الحريري تبدّلت أولويات باريس، إذ إن شيراك كان يفعل ما يتمنّاه الحريري الأب لدرجة مقاطعة بكركي وعدم زيارة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، لأنه كان يطالب برحيل جيش الإحتلال السوري من لبنان ويعادي السلطة الحاكمة، والحريري لا يريد هذا الأمر.

 

إذاً، فإن علاقة الموارنة المميزة مع فرنسا طوال نحو 13 قرناً لم تعد أولوية لدى باريس والتي استعاض عنها شيراك بعلاقته مع الحريري، ما يعني مدى قوّة علاقة الحريري بفرنسا.

 

وعند بروز حادثة إحتجاز سعد الحريري في السعودية، كان ماكرون أكثر المتحركين دولياً وأرسل ساركوزي بداية الأمر من ثمّ تدخّل شخصياً، وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه «ما الذي تبدّل لكي تخرج فرنسا ببيان باهت عن اعتكاف الحريري وابتعاده عن الحياة السياسية وكأن الأمر لا يعنيها؟».

 

من يتابع المواقف الفرنسية، يدرك جيداً أن باريس وغيرها من العواصم الكبرى تهمّها مصالحها وعلاقاتها مع الدول وليس الأشخاص، وبالتالي فإن إدارة ماكرون تعتبر نفسها صديقة لكل اللبنانيين ولا تمرّ علاقتها مع أي مكوّن لبناني بآل الحريري أو أي أشخاص آخرين.

 

وأدركت باريس أن عليها حماية ثقافتها أولاً، وقد تحركت في شهر تموز من العام 2020 ودعمت المدارس الفرنكوفونية لأنها تعتبر أن لبنان هو آخر نقطة نفوذ ثقافية وسياسية لها في الشرق، ولا تريد خسارة علاقتها بالبطريركية المارونية والموارنة وأي مكوّن لبناني كرمى لعينيّ أحد.

 

حتى أي كلمة أسف لم تصدر عن باريس في معرض تعليقها على اعتكاف الحريري، وكان بيان «الخارجية» الفرنسية واضحاً في رفضه التعليق، والأهم من هذا كله تشديده على ضرورة إجراء الإنتخابات النيابية، أي أنه قال بما معناه «الإنتخابات يجب أن تجرى سواء شارك الحريري أو امتنع».

 

وليس استياء دوائر الإليزيه من الحريري وليد اللحظة، بل إنها تعتبر أنه أحد السياسيين الحلفاء الذين عرقلوا مبادرتها، فعندما وقع زلزال 4 آب أصرّت باريس على تأليف حكومة إختصاصيين مستقلّة تبتعد عنها الأحزاب برئاسة السفير مصطفى أديب، لكن الحريري وضع، وقد يكون بالإتفاق مع «الثنائي الشيعي»، شرط عدم ذهاب وزارة المال إلى الشيعة وعرقل المبادرة، ومن ثمّ عاد وتنازل عن هذا الشرط.

 

والنقطة الثانية أن الحريري عاد وفرض نفسه بالإتفاق مع الرئيس نبيه بري رئيساً مكلّفاً للحكومة، ولم يتجاوب مع أي مبادرة فرنسية وشخصن خلافه مع رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل، ورفض الردّ على كل وساطات ماكرون لجمعه مع باسيل لحلّ مسألة ولادة الحكومة، وبقي متمسكاً بتكليفه وتعطّل البلد أكثر من 10 أشهر قبل أن يعتذر.

 

إذاً، باتت باريس تعتبر أن الحريري جزء من هذه المنظومة التي تعطّل السياسة الإصلاحية وتتعاطى بشخصانية ووفق مصالحها وأهوائها، لذلك هي لن تأسف أو تتأسف على أي سياسي من الطبقة الحالية يغادر الشأن العام، بل تعتبر أن هذه الطبقة يجب «قبعها» والإنتخابات فرصة لإنتاج طبقة سياسية جديدة.