منذ تاريخ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب من العام 2020، تُطرح بشكل دائم عند كل استحقاق، الكثير من علامات الاستفهام حول الدور الذي من الممكن أن تؤديه باريس، خصوصاً أنها تكاد تكون الدولة الوحيدة الفاعلة التي تبدي اهتماماً بالملف اللبناني، وتُطلق المبادرة تلو الأخرى في سبيل إيجاد التسويات للأزمات اللبنانية المتلاحقة.
على الرغم من ذلك، يجب عدم تحميل فرنسا ما لا تحتمل، وبالتالي فإن التعرّف الى حجم الدور الذي من الممكن أن تؤديه فرنسا، من الممكن الاستدلال عليه من خلال مراجعة مصير المبادرات التي كانت قد تقدمت بها في السنوات الماضية، نظراً إلى أن أياً منها لم يكتب له النجاح، وبالتالي هي غير قادرة على فرض وجهة نظرها على الأفرقاء اللبنانيين، المرتبطين بالعديد من الجهات الدولية والإقليمية الأخرى، من الولايات المتحدة إلى السعودية وصولاً إلى إيران.
هذا الواقع، لا يعني أن باريس غير قادرة على القيام بأي دور عملي على الساحة اللبنانية، لا سيما أن لديها مصالح اقتصادية وسياسية في لبنان، لكن في المقابل حدود هذا الدور ومهمته يجب أن تحدد بشكل دقيق، وهو يقوم بالأساس على فكرة أن فرنسا تمتلك القدرة على التواصل مع مختلف الجهات المعنية بالواقع اللبناني، سواء كانت داخلية أم خارجية، وبالتالي تستطيع أن تعمل على تقريب وجهات النظر أو القيام بدور الوسيط بينهم لا أكثر.
في الساعات الماضية، تحدثت معلومات عن نية لدى فرنسا بإطلاق مبادرة رئاسية جديدة، وأنها أصحبت قريبة من إقناع المملكة العربية السعودية بالدخول في مقاربات جديدة للملف اللبناني، لكن بحسب مصادر سياسية متابعة فإن المبادرات الباريسية لا تكفي لإيجاد الحلول، لأن المشكلة ليست بسيطة بل مركبة، ولاجل حلها يجب توافر ظروف معينة متعلقة بما هو أوسع من الساحة اللبنانية.
ما تقدم، يقود إلى تحديد المقومات التي من الممكن أن تسمح لفرنسا بالنجاح في أي مبادرة او عمل تُسوّق له، وهذه المقومات تقوم من حيث المبدأ على وجود رغبة أو إقتناع عند باقي الأفرقاء بأن الوقت حان من أجل الذهاب إلى تسوية، الأمر الذي لم تظهر مؤشراته حتى الآن، نظراً إلى أن مواقفهم تعبر عن رغبة لديهم بالاستمرار في الرهان على عامل الوقت، على أمل أن يقود ذلك إلى تحسين أوراق قوتهم، ما يعني أن باريس، إلى حين الوصول إلى ذلك الوقت، أقصى ما يمكن أن تقوم به هو الحفاظ على قدرتها على تأدية دور «الوسيط»، بالتزامن مع السعي إلى عدم تدهور الأمور أكثر.
وتكشف المصادر أن باريس في الفترة الماضية كانت أكثر قوة على الساحة اللبنانية مما هي عليه اليوم، والسبب في ذلك فقدانها أحد عناصر قوتها وهو العلاقة الحسنة مع الإيرانيين، وهي ما تبدلت مؤخراً ويسودها بعض علامات الاستفهام، مشيرة الى أن أقصى ما يمكن لباريس تقديمه هو استعادة علاقتها بإيران ومحاولة التقريب بين وجهات النظر السعودية والايرانية والأميركية، وهو ما سيسعى الرئيس الفرنسي لفعله خلال زيارته المرتقبة الى الولايات المتحدة الأميركية، أما بالنسبة لزيارته الى لبنان في فترة الأعياد، فهي بحسب المصادر واردة، لكنها غير محسومة.