«إسرائيل» المربكة تستخلص الدروس : ماذا لو كانوا 30 مُسيّرة ؟ تبريرات رسميّة لا تغسل «العار»… وحزب الله : «الآن قوموا بواجباتكم»
بعد ايام على «رسالة» حزب الله الجوية – البحرية فوق منصة «كاريش»، بات بالامكان اجراء قراءة هادئة لطبيعة هذا الحدث وتداعياته وطبيعة النتائج المنبثقة عنه. لا شك ان المقاومة سجلت نقلة نوعية على «رقعة الشطرنج» دفعت بكل المشاركين «باللعبة» الى التراجع خطوة الى «الوراء»، واعادة التفكير بمسار عملية التفاوض، وما يمكن ان تفضي اليه اي نتيجة تنتقص مما تبقى من حقوق لبنانية، بعدما تخلى المفاوض اللبناني عن الخط 29 مجانا. فحزب الله جاد ولا «يمزح» كما بيّنت خطوته المدروسة «كمّاً ونوعاً» وتوقيتاً.
«اسرائيل» تعيد حساباتها بناء على المعطى الجديد. الولايات المتحدة الاميركية لم تعد قادرة على تجاهل «اللاعب» الجديد على «الطاولة» والبناء على ضعف الموقف اللبناني. اما الخاسر الاكبر كالعادة فلبنان الرسمي، الذي رسب مجددا في امتحان «الوطنية»، واظهر دونية غير مفاجئة ومعتادة تجاه واشنطن. فلم يعد مهما اذا كان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي قد تفرد باتخاذ القرار وفرضه على وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، وليس مهما معرفة حقيقة تنسيق هذا الاخير او قيامه بتجاهل مرجعيته السياسية في بعبدا و «ميرنا الشالوحي». مع العلم ان احدا لا يمكنه «هضم» خبرية قيام بوحبيب بتلقف بيان على قدر من الاهمية والخطورة «بصدره» ودون المراجعة.
لكن المهم الآن ان لبنان الرسمي ممثلا بطبقته السياسية الحاكمة، والمعارضة التي تبرعت بدورها بتوهين الانجاز اللبناني، قد اكدوا المؤكد بانهم غير مؤهلين لادارة دولة او شعب، فكيف بالحفاظ على ثروات الاجيال؟!.
لكن الجديد خلال الساعات القليلة الماضية، كان دخول باريس «الخط»، من «بوابة» استعانة «اسرائيل» بصديق لمحاولة ثني حزب الله عن التصعيد. ووفقا لمصادر ديبلوماسية لم تكن استعانة رئيس حكومة تصريف الأعمال «الإسرائيلية» يائير لابيد بالرئيس الفرنسي إيمانويل «عبثية»، بل هو «طرق باب» الجهة الغربية الوحيدة التي تملك اتصالات رسمية علنية وغير معلنة مع حزب الله. وفي هذا السياق لم تتأخر باريس بتشغيل محركاتها على نحو عاجل وعلى مستويين الاول ميداني وآخر يرتبط بملف «الترسيم».
في المجال الاول، حرص الجانب الفرنسي على الاتصال بالايرانيين الذين اكدوا ان لا علاقة لهم بهذا الملف، وهو قرار ذاتي يقدره حزب الله وفقا لمصالح لبنان العليا. وعمل الفرنسيون على لجم اي تصعيد عسكري محتمل نتيجة حسابات خاطئة لدى الطرفين. وقد تأكد الفرنسيون عبر قنوات اتصالهم الخاصة، بان «حجم رسالة» حزب الله محدود وواضح ولا يحتمل التأزيم، ويرتبط فقط بملف الترسيم والحفاظ على حقوق لبنان الغازية، فلا نوايا او خلفيات تصعيدية مرتبطة بتطورات المنطقة.
وكان لافتا بحسب تلك المصادر، حرص الجانب الفرنسي على تقديم نوع من التبريرات غير المباشرة لخطوة الحزب من خلال حض الرئيس الفرنسي لابيد على تسريع عملية التفاوض وانهاء الملف سريعا، لانه سيبقى برأيه «قنبلة موقوتة» طالما بقي معلقا، وهو ما يمنح حزب الله الحجة للقيام بخطوات مماثلة، كما يمنحه «هدية» شعبية مجانية، باعتباره «يقدم نفسه مدافعا عن الثروة الوطنية اللبنانية»، بحسب تعبير الفرنسيين، الذي فعّلوا اتصالاتهم ايضا مع الجانب الاميركي لمنح المفاوضات الزخم المطلوب وايجاد الحلول المرضية للطرفين. وقد سمع الفرنسيون كلاما واضحا عن تحرك قريب يتزامن مع زيارة الرئيس جون بايدن الى المنطقة منتصف الجاري، حيث سيكون ملف الطاقة ملفا رئيسيا وحيدا في جولته.
اما لجوء لابيد الى التهديد، بان «اسرئيل» لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذه الهجمات المتكررة، فيبقى مجرد موقف للاستهلاك الداخلي، في ظل شبه اجماع نادر داخل المؤسسة الامنية والعسكرية على ضرورة تجنب التصعيد، باعتباره سيشكل ضرارا كبيرا وغير مسبوق على «اسرائيل».
وفي هذا السياق، تلخص صحيفة «يديعوت احرنوت الاسرائيلية» الواقع العسكري المعقد بالقول: «احتفلنا كمواطنين بإسقاط المسيرات»، غير أن قيادة سلاح الجو سألت أسئلة أكثر تعقيداً ولم تشرب «الشمبانيا»، ومنها: لو لم تكن ثلاثة بل عشرين أو ثلاثين «مسيرة في آن معاً، فهل ستكون النتائج مشابهة؟ لو استخدم حزب الله سلاحاً أكثر ذكاء بقليل، فهل سيكون «باراك 1» كافياً؟ والسؤال الاهم لماذا لم يتم الاعتراض بوسائل التشويش التكنولوجية؟ «اتركوا الحفلات للمواطنين» تقول الصحيفة، «لكن من ناحية الجيش، كان هذا حدثاً تكتيكياً مركباً، يحمل إلى جانبه الكثير من الدروس للتعلم واخذ العبر»!