اتفاق باريس ولد بعد سبع سنوات من مسعى للتوصل الى اتفاق في كوبنهاغن عام 2009 لم يفرض اية خطوات تنفيذية على المؤتمرين في حينه، وفي ذلك المؤتمر أعلنت وزيرة البيئة في الدانمارك، التي تعتبر اكثر البلدان المتقدمة انجازاً على صعيد البيئة، ان البلدان المتطورة لا تستطيع تحمل تكاليف تنفيذ الخطوات البيئية المطلوبة من البلدان النامية.
ومعلوم ان الولايات المتحدة كانت ولا تزال البلد الاكثر انتاجاً لغاز ثاني اوكسيد الكاربون الذي يحتوي الحرارة في الفضاء الخارجي ويسهم في الاضرار البيئية الواسعة كالفيضانات من جهة والقحط من جهة اخرى، اضافة الى مخاطر انهيار جبال الثلج في القطب الشمالي وتسببها بارتفاع مستويات المحيطات ما بين ثلاثة وخمسة امتار.
وفي المقابل، اتخذت الصين التي كانت اسرع البلدان النامية في تحقيق معدلات النمو، كما هي البلد الاسرع في مجال انشاء محطات الكهرباء العاملة على الفحم الحجري الامر الذي يساهم الى حد بعيد في ارتفاع حرارة المناخ وازدياد مخاطر التلوث، موقفاً مناهضاً لمشاريع ضبط التلوث البيئي كما فعلت الولايات المتحدة، على رغم ان الرئيس اوباما كان في اول عهده اعلن انه سيجعل ولايته ولاية تهتم بالبيئة في المقام الاول، وأشار الى ان جون كيري السناتور الممثل لولاية ماساتشوستس سيقدم مشروعاً الى الكونغرس لضبط التلوث، لكن الكونغرس عارض ذلك المشروع.
وترك مؤتمر كوبنهاغن التوصيات رهن اقرار المؤتمرين السياسات، ولم تفرض شروط تحقق على البلدان المعنية، وفي عام 2009 كان العالم يواجه الازمة المالية العالمية التي تسببت بتقلص معدلات النمو في بلدان العالم الصناعي ونتج من ذلك التقلص انخفاض معدلات التلوث عالمياً للمرة الأولى منذ سنوات.
ماذا حصل منذ مؤتمر كوبنهاغن الذي انعقد قبل سبع سنوات وكان فاشلاً، ومؤتمر باريس الذي انعقد مدة اسبوعين قبل نهاية السنة لتكون النتيجة واعدة الى حد أبعد وان تكن ثمة مخاطر ومخاوف مستمرة؟
لقد كانت هنالك تطورات على صعد عدة، منها التطورات الطبيعية المخيفة، والتطورات السياسية التي كان أهمها التقارب في النظرة الى شؤون البيئة بين الولايات المتحدة والصين، وكلا البلدين سيبلغ مستوى مسؤولياتهما عن التلوث العالمي أكثر من 50 في المئة، والتطورات الديبلوماسية التي تمثلت الى حد بعيد في مسعى الفرنسيين لتوفير أرضية محادثات مجدية وجدية، وقد بذلت مبعوثة شؤون البيئة الفرنسية السيدة توبيانا جهوداً جبارة طوال سنة لتعميم مخاوف تردي البيئة بين غالبية البلدان التي شاركت في مؤتمر باريس وبلغ عددها 195. كما ان دور البنك الدولي في مساعي التوعية واقرار البرامج المفيدة توسع، نتيجة دراسات خبراء البنك، ولان رئيس البنك هو مهنياً طبيب اختصاصي اكثر منه شخصية سياسية او اقتصادية.
قبيل انعقاد المؤتمر كانت اخبار الكوارث البيئية مخيفة، فمدينة تشيناي في الهند (ثالث اكبر بلد ملوث في العالم) شهدت تحول المدينة بسبب الطوفانات الى جزيرة اذ غمرت السيول هذه المدينة البالغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة، قضى منهم المئات نتيجة الفيضانات والحاجة الى ملاجئ تعلو عن سطح المياه. وفي بريطانيا التي شهدت منطقة البحيرات الجميلة في شمالها تساقطاً للامطار طوال 24 ساعة لم تعرفها في تاريخها، حولت قراها الخضراء الجميلة الى بحيرات هي ايضا. وفي ولاية واشنطن بشمال غرب الولايات المتحدة أدى تساقط الامطار الغزيرة الى فيضانات اجتاحت الطرق وتسببت بانهيارات واسعة دفعت حاكم الولاية الى اعلان حال طوارئ في الولاية، وفي جزر المالديف بالمحيط الهندي تسببت الامطار بفيضانات بحيث بات الانتقال بين المنازل والمؤسسات معلقاً على توافر قوارب الانقاذ.
شهدت الصين فيضانات في مقاطعات عدة والاهم من ذلك ان التلوث في مدنها الكبرى ولاسيما منها المدن الصناعية، بلغ مستويات مخيفة. فالعمال يذهبون الى عملهم وهم يضعون كمامات صحية، وكذلك الاولاد الذين يقصدون مدارسهم والكمامات تغطي افواههم. وتوجه الصينيون نحو خفض معامل انتاج الكهرباء بالفحم الحجري (الصين تعتمد على الفحم الحجري الاكثر تلوثاً بنسبة 66 في المئة من كامل استعمالها للطاقة في انتاجها) وباشروا انتاج الغاز – الذي هو مسبب للتلوث انما بنسبة تقل كثيراً عن التلوث الناتج من استعمال الفحم الحجري، وقد ذكرنا سابقاً ان لدى الصين احتياطاً من غاز الصخور يماثل الاحتياط في الولايات المتحدة أو تزيد عليه، وتلعب الشركات الاميركية دوراً رئيسياً في هذا النطاق في الصين.
اضافة الى تجميد مشاريع معامل الكهرباء التي تعتمد الفحم الحجري والبدء بخفض عددها، كرست الصين جهوداً كبيرة لزيادة انتاج الواح اكتناز الطاقة الشمسية من أجل توسيع الاستفادة من هذه الالواح لتأمين الطاقة لتسخين المياه والانارة، وتالياً باتت الصين أكبر منتج لهذه الالواح في العالم وتغطي نسبة 40 في المئة من الحاجات العالمية التي لا بد ان تزداد في المستقبل.
كوارث الفيضانات والمشكلات الصحية للتلوث كانت من أسباب التقارب بين الصين والولايات المتحدة على صعيد اقرار التوصيات الملزمة باعتماد سياسات انتاجية ووقائية تحول دون ارتفاع متوسط الحرارة بنسبة 1,5 في المئة لا 2 في المئة بين 2016 و2030، ومن ثم ايقاف ارتفاع هذه النسبة حتى 2050 وما بعد.
الولايات المتحدة، الصين ومن بعد الهند هي الدول الاكثر تأثيراً في المستقبل على صعيد تلوث البيئة والحاجة الى ضبط الارتفاع الحراري وتفادي الفيضانات والقحط. ويبدو للمرة الأولى ان الصين والولايات المتحدة تتجهان الى الالتزام، اما الهند فلا يزال قادتها يأملون في تجاوزها الالتزامات، على رغم ما توافر من دليل على تحول مدينة عدد سكانها خمسة ملايين الى بحيرة في الهند.
قضية الهند هي القضية المحورية في المستقبل المنظور ويمكن توقع معالجتها الى حد ملحوظ بالاعتماد على توسيع استعمال الغاز الطبيعي من روسيا وتركمانستان، علماً بان مشاريع مد خطوط الغاز من روسيا الى الصين والهند تحتاج الى سنوات، كما التزام روسيا انجاز عدد من معامل انتاج الكهرباء اعتماداً على الطاقة النووية، وقد يكون استعمال الواح اكتناز الطاقة الشمسية المنهج الاقرب للتنفيذ ويمكن ان توفر الصين كميات كبيرة منها باسعار مخفوضة لتوسيع استعمالها في الهند، ويجب ان نتذكر ان عدد سكان الهند والصين يوازي 40 في المئة من سكان العالم، فمعالجة التلوث في البلدين قضية بالغة الاهمية.
هنا نأتي الى موضوع توافر المعونات للدول النامية كي تنفذ مشاريع لاستبدال الطاقة من النفط وحتى الغاز بمصادر الطاقة البديلة واخصها الطاقة من الرياح، ومن تعميم الالواح الاكتنازية للطاقة الشمسية.
التكاليف بالتأكيد باهظة وتقدر بـ100 مليار دولار حتى 2020، ومن ثم تصير 100 مليار دولار سنويًا. والتزام الولايات المتحدة توفير 800 مليون دولار لهذا الغرض غير كاف حتى اذا اضيفت اليه التزامات من دول الاتحاد الاوروبي. والموارد المالية الكافية متاحة لدى الصين، فهل تقدم على خطوة كهذه؟ قد يتحقق ذلك اذا كان لها نفع طويل المدى من تأمين التمويل والألواح الاكتنازية بما في ذلك من تقدير لمكانتها العالمية المتعاظمة.
كل ذلك يحصل وحكومتنا لا تستطيع معالجة النفايات.
تحية لصيدا وبر الياس وزحلة على جهود بلدياتها، وبئس برامج الحكومة!