IMLebanon

وماذا بعد مجموعة «الجرائم المرتكبة»؟

 

تزامناً مع التحضيرات التي رافقت مؤتمر باريس للمساعدات الانسانية، تكثفت اللقاءات الاممية والدولية لتحديد ما هو مطلوب في القطاعات الأكثر حاجة، وهو ما سمح بكثير مما يمكن قوله عن مجموعة الأزمات التي تجمعت في البلد الصغير، فيما العالم منشغل بأزمة واحدة ناجمة عن انتشار جائحة «كورونا». وعليه، ما الذي تجمّع من معطيات لدى الديبلوماسيين، تُعدّ الأكثر خطورة على مستقبل البلد.

 

باعتراف الديبلوماسيين الأكثر اطلاعاً على واقع الاوضاع في لبنان وخصوصاً ممن دخلوا على خط الوساطات المكثفة التي انهارت واحدة تلو أخرى، ما يدعو الى كثير من القلق، نظراً الى حجم ما هو مرتقب من تطورات تقود البلد الى حال من الفلتان الذي يصعب تقدير مفاعيله ونتائجه قياساً على حجم ما يتجمّع من مخاطر نتيجة مسلسل الأخطاء والجرائم المرتكبة.

 

ليس في هذا التوصيف الديبلوماسي ما يشي بجديد مما لا يتمّ تبادله من معلومات على مستوى القيادات السياسية والأمنية والاستخبارية. وذلك نتيجة التعقيدات والتراكمات التي اسّست لها السياسات الخاطئة في طريقة التعاطي مع مسلسل الأزمات التي تناسلت، الى درجة لم تعد تنفع فيها المعالجات التقليدية المعتمدة. فحتى اليوم لم تعد تُحصى الأزمات المتراكمة، سياسياً وحكومياً كان او مالياً ـ نقدياً وصحياً، وهو ما يوحي بالتقصير الفاضح في مقاربتها بطريقة افرادية أو جماعية. فهناك عدد منها كان مرتقباً نتيجة التطورات المتدحرجة داخلياً وخارجياً. ولا يستطيع من يستعيد شريطها ان يرى فيها ما هو مفاجئ. فقد سبق ان حذّرت منها مجموعة الرسائل الدولية التي تبلّغها المسؤولون تباعاً بطريقة مباشرة، على هامش المبادرة الفرنسية بمختلف المحطات التي تعرّضت فيها لاستحقاقات اسقطت عناوينها، وما قالت به من مراحل كان من الواجب الالتزام بها، منعاً من بلوغ اللحظة الدولية التي ستفتقد فيها الحلول نتيجة انشغال القوى الكبرى بالملفات التي تضع المسألة اللبنانية بمختلف وجوهها في آخر سلّم اولوياتها.

 

على هذه الخلفيات، تبادل السفراء الخليجيون ومعهم زملاء لهم من مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان، كثيراً من المعلومات المقلقة عن العقلية التي تُدار فيها الملفات، ولا سيما منها تلك التي رافقت مساعي تشكيل الحكومة العتيدة، تزامناً مع الفشل في مقاربة الملفات المالية والنقدية، بالإضافة الى مجموعة من التحرّكات الغامضة التي لا تفسير لها، وخصوصاً أنّ بعضها تمّ في بيروت والبعض الآخر في اكثر من عاصمة، وهي تتناول مختلف وجوه الأزمات المتشابكة التي لم تعرف اي منها طريقها الى الحل، على رغم الفرص الغالية والنادرة التي توافرت، والتي ضاعت تباعاً في ظروف ولأسباب مختلفة.

 

وعلى هامش تصنيف الأخطاء المرتكبة التي لامس بعضها مستوى الجرائم، تعترف المراجع الديبلوماسية، انّ من بينها ما يمكن فهمه بالنظر الى فقدان من هم في مواقع القرار شكلاً، القدرة على اتخاذ المواقف التي ارتهنوا لها بتسويات وصفقات كبّلتهم وعطّلت كثيراً من صلاحياتهم. وان كان البعض منها مبرراً، بسبب قصورهم عن القيام بمهماتهم كاملة وجهلهم للمعطيات الدولية والإقليمية، فإنّ البعض منها لا يمكن تبريره، إذ لا يُعقل ان يرى مسؤولاً انّ البلد ينهار نتيجة سياساته الفاشلة من دون ان يقوم بمراجعة حتمية، فيجري تعديلاً كان مطلوباً، ولكنه اصرّ على المضي بها تعنتاً وتصلّباً غير مفهوم، اياً كانت الخسائر التي لحقت بالبلد ومواطنيه، او تلك التي مُني بها شخصياً.

 

وان شاءت المراجع الديبلوماسية الكشف عن بعض ما يثير القلق، فهي تتوقف امام عناصر مهمة، لم يسبق ان تعرفت عليها في الحياة السياسية الطبيعية في دولها واي دولة في العالم. وان ارادت هذه المراجع تعدادها، لا يتسع الوقت لذلك، فتشير الى ما هو اساسي منها، بدءاً بمسلسل الإتهامات الكبيرة المتبادلة على اعلى المستويات، والتي ان صدق بعضها لا يمكن بقاء مرتكبيها في مواقع المسؤولية. والى ذلك، فقد ثبت لديهم يوماً بعد يوم عدم القدرة على تنفيذ قرارات اتُخذت على اكثر من مستوى. فمنها ما اتُخذ في مجلس الوزراء في شأن «التدقيق الجنائي» على سبيل المثال، فتفرّد احد اعضائه ليعلن صراحة ولاءه لمرجعيته السياسية، معتبراً انّها «فوق القرار الحكومي». وتضيف: «شدّدوا امام مرجعيات دولية اجماعهم على مبادرات عدة من فوق المنابر، وتبادلوا المكائد والأدوار من تحتها، لتفريغها من مضمونها وتعطيلها. وأجمعوا على مكافحة الفساد وخصّصوا مراكزهم وسخّروا الأمن والقضاء لحماية الفاسدين الكبار وتسهيل اعمالهم. ومنعوا اقرار قانون «الكابيتال كونترول» في بداية الازمة النقدية، لتنظيم العلاقة بين المودعين والمصارف، تحت شعار حماية ودائع الناس، ويستعدون لصيغة جديدة منه، بعد تهريب ودائعهم الخاصة والسطو على ما تبقّى منها للبنانيين المنكوبين والمقيمين في لبنان. كذلك اعترفوا بفشل الخطط التي وضعت في القطاعات المنتجة والخدماتية في الطاقة والمياه والاشغال العامة والمهجرين والبيئة ومجلس الإنماء والإعمار، ولم يغيّروا من اسلوبهم، واعترفوا بالتوظيف السياسي في «اوجيرو» ومنشآت النفط، واعترفوا بالفيول المغشوش في قطاع الكهرباء ووفروا الحماية لمعدّي الصفقات».

 

وإن زادت المراجع في رواياتها المتبادلة، تتوقف امام حجم المخالفات المرتكبة خلافاً لكل القرارات الدولية، ولا سيما منها القرار 1701، الذي قال بضبط الحدود ومنع تهريب الممنوعات والاسلحة على انواعها وتهريب الاموال عبر الحدود بكل اشكالها. وهي تحصي المعابر غير الشرعية وما هو مخصّص منها لتهريب المال والسلاح أو الأشخاص كما المواد الغذائية والنفطية من دون اي اجراء. وتلفت الى المسؤولين الذين يغضون الطرف عمّا يجري في المطار ومرفأ بيروت، واخطر ما حصل انّهم اهملوا مخزون «العنبر الرقم 12» في المرفأ من المواد الخطيرة، وتجاهلت الوزارات المختصة ومعها القضاء وجودها لسنوات، واهملوا التقارير التي حذّرت من العواقب، لا بل فقد اوقفوا من وضعها وحذّر من مخاطرها، وهو ما ادّى الى «نكبة 4 آب» ودفع الآلاف ثمناً من حياتهم واملاكهم في أسوأ الظروف. ولا تهمل هذه المراجع من اعتبر الكارثة فرصة لفك الحصار المضروب على اركان السلطة، عدا عن مسلسل العقوبات الذي اطلّ بقرنه مجدداً».

 

وتأسيساً على ما تقدّم، يجدّد الديبلوماسيون في قراءتهم لمستقبل الازمات المتشعبة، التنبيه الى انّ سياسة الاهمال وتجاهل الملاحظات الدولية لاركان السلطة باتت مميتة. وما زاد من خطورتها، تورط اللبنانيين في ازمات دولية بعيدة من الحدود اللبنانية. وما لم تتبدّل، فإنّ الامور تتجّه الى مراحل اكثر تعقيداً وخطورة. فلا يسعى المسؤولون الى تبرير ما حصل من موبقات ورفع مسؤوليتهم عن الجرائم المرتكبة والدعوة الى ضرورة الإعتراف بعجزهم، ولا يدّعون السيطرة والامساك بالسلطة، وليتخلّ اي مسؤول عن موقعه لمن هو قادر. وبهذه الطريقة فقط يمكن عندها البحث عن الحلول، ليُكلّف بها القادرون على القيام بالمهمة.