تلاحظ أوساط نيابية واسعة الإطلاع، أن الإدارة الفرنسية تواجه حالة من الإرباك في الايام القليلة الفاصلة عن اجتماع الإتحاد الأوروبي في التاسع عشر من الجاري، ذلك أن الإنتقال من مرحلة المبادرة الفرنسية في لبنان إلى المواجهة الفرنسية مع لبنان، سيُترجم واقعاً مختلفاً من العلاقات بين بيروت وباريس، وتحديداً بين القوى السياسية التي ستشملها الضغوط الأوروبية التي يجري الحديث عنها في المرحلة المقبلة . وبالتالي، فإن إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وفريق الأزمة الذي يتابع عملية تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة، لا يؤيّدون الذهاب إلى قطع العلاقات الجيدة نسبياً مع كل الأطراف السياسية اللبنانية، سواء التي تعرقل المبادرة الفرنسية، أو التي تعمل لتنفيذها. وبحسب الأوساط النيابية، فإن الرأي الفرنسي يميل إلى التريّث لمدة أسابيع محدودة قبل قطع الجسور من خلال العقوبات، خصوصاً في ضوء الحديث على الساحة الداخلية، عن مرحلة حاسمة في نيسان الجاري، تسمح بأن يتمّ وضع خاتمة لكل الحركة الجارية على الساحة اللبنانية، وذلك، على الرغم من أن هذه الحركة ما زالت بطيئة، ولكنها تستند الى صيغة الـ8+8+8، والتي تدرس في كواليس المقرّات الرئاسية.
وعليه، فإن المشهد السياسي الحالي قد أصبح مفتوحاً على خيار وحيد، كما تكشف هذه الأوساط، ويقضي بتوحيد الجهود المحلية بعيداً عن أية تحرّكات خارجية، من أجل تنظيم الخلاف المحلي والبحث عن الحل بالتوافق، بعيداً عن كل الخلافات حول المعايير والصلاحيات الدستورية، والتي ترتدي طابع الصراع على النفوذ أكثر منه حول تطبيق الدستور، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال الحملات والبيانات التصعيدية بين أكثر من طرف سياسي داخلي على عناوين عدة مالية وسياسية وأمنية، والتي لا تعكس سوى حجم الإنسداد والإحتدام، وبالتالي، الإنقسامات العميقة والتي قد لا ينفع معها أي وساطة أو تحرك خارجي أو حتى عقوبات مهما كان نوعها.
ومع تراجع أولوية تأليف الحكومة على الروزنامة الداخلية، كما تقول الأوساط النيابية نفسها، فإن الدور العربي بشكل خاص لن يتوقف على الرغم من فشل المساعي المصرية الإخيرة، وذلك على اعتبار أن المناخ العربي بات متفهّماً لكل العوائق المحلية التي أسقطت المبادرات، ولكنه لن يتخلى عن إصراره على حماية الواقع اللبناني من أي انزلاق سريع نحو الهاوية، وهو ما سيكون حتمياً فيما لو استمرّت المقاربات على حالها وبقيت التعقيدات بين قصر بعبدا وبيت الوسط. وفي هذا السياق، ترى الأوساط نفسها، أن الحائط المسدود لن يبقى على هذه الحال، حيث من المتوقّع وفي أي لحظة إقليمية، أن تتحرك المشاورات على المستوى الداخلي، وأن يتبدل المشهد الحكومي وكأن شيئاً لم يكن، وذلك بفعل «ساحر»، كما كان يحصل في مراحل واستحقاقات سابقة. وبالتالي، فإن الجهود الفرنسية، كما تكشف الأوساط النيابية، لن تتوقف على الرغم من كل «المطبّات» التي اصطدمت بها في الأشهر الماضية، وأن باريس على مبادرتها حتى الوصول إلى لحظة الحقيقة أي إعلان الفشل والذهاب إلى العقوبات أو النجاح في تحقيق الخطة الرئاسية التي تبدأ بتأليف الحكومة وبتنفيذ برنامج إنقاذي.