على ماذا يراهن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في محاولته المتجددة لإخراج الحكومة اللبنانية الجديدة من عنق الزجاجة، حين قال إنه سيفعل “كل شيء كي تكون هناك حكومة على المدى القصير، حتى لو لم تكن مكتملة المواصفات، كي تسمح بانتقال سياسي سلمي؟”.
فهو سبق أن حاول ولم يستجب له الرئيس ميشال عون وصهره رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ولا “حزب الله”، على الرغم من أن الأخير يكرر تأييده المبادرة الفرنسية من دون أن يلعب أي دور في تسهيل تنفيذ البند المتعلق بالحكومة منها، مع أن ماكرون حرص على مراعاة طلب “الحزب” شطب بند من خريطة الطريق التي كان أعدها، لتتبناها الحكومة ووافقه عليها قادة الكتل السياسية الذين التقاهم في أيلول الماضي. فهو ألغى ما نصت عليه مسودتها عن التحضير لانتخابات نيابية مبكرة. أما باسيل فقد نسف المبادرة الفرنسية، في معرض اتهام الرئيس المكلف سعد الحريري بـ”الاستقواء” بها، حين قال إن الحكومة المقبلة لم تعد “حكومة مهمة” نتيجة “المهمات” التي أوكلها إليها، ومعظمها مرتبط بالوضع الإقليمي والمتغيرات في شأن التطبيع مع إسرائيل والحوار الأميركي الإيراني. فتكبير حجر ما على الحكومة إنجازه يهدف إلى نزع صفة الاختصاص واللاحزبية عنها، للعودة إلى نغمة الحكومة التكنو – سياسية كما يجري بحثه مجدداً في بعض الكواليس السياسية الضيقة. و”حزب الله” كان من أول المطالبين بحكومة كهذه، متذرعاً بأن المبادرة الفرنسية لم تشترط أن تكون من غير السياسيين وأنه يمكن التفاهم على أن تضم تكنوقراطاً غير حزبيين يتمتعون بالكفاءة والنزاهة والمصداقية، كما طالب ماكرون، إضافة إلى بعض السياسيين. سواء كان هذا ما يفسر كلام الرئيس الفرنسي عن حكومة غير كاملة المواصفات، بما يعنيه التساهل مع تطعيم الحكومة بسياسيين، أم لا، فإن الرئيس المكلف سعد الحريري ليس في وارد التنازل عن صيغة الحكومة كما قدمها إلى الرئيس عون.
في وقت ما زالت باريس على المعايير التي أصرت عليها منذ البداية، لحكومة المهمة، بما ينفي إمكان قبولها أن تضم سياسيين كمخرج من المأزق، تستند باريس إلى تجديد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مبادرتها بعد اتصال الأخير بماكرون، وإلى دعم أوروبي متواصل وإلى تحسس بخطورة ما يجري في البلد جراء تدهور الوضع المعيشي، والذي تسبب بالانفجار الشعبي في طرابلس وقاد إلى خلل أمني كبير فيها.
يبقى السؤال في أوساط سياسية محايدة تراقب تصاعد فصول الاشتباك السياسي بين عون والحريري عما إذا كانت الاندفاعة الفرنسية الجديدة تتوخى أن يؤثر موقف طهران على “حزب الله” كي يساهم في تسهيل ولادة الحكومة. وفي هذا المجال لا جديد على الإطلاق. فالجانب الفرنسي أجرى أكثر من محاولة مع طهران حيث كان الجواب أن القيادة الإيرانية تؤيد قيام الحكومة اللبنانية الجديدة، لكن الأمر عالق نتيجة الخلافات اللبنانية الداخلية. والعلاقة الإيرانية الفرنسية تتراجع في كل مرة يتناول الجانب الفرنسي موضوع التفاوض على النووي، بدليل رفض طهران كلام ماكرون عن ضرورة اشتراك السعودية في العملية التفاوضية.
ليس في نية باريس دعوة أي من الرئيسين لزيارتها إذا كان البعض يعتقد بأنها ستفتح آفاق التفاهم بينهما، إذا لم تجد استعداداً مسبقاً لتوافقهما. وليس بنيتها إيفاد أي من مستشاري الرئاسة إلى بيروت من دون ضوء في الأفق.