IMLebanon

مذبحة باريس» مفصليّة على المنطقة

قد يصحّ اعتبار الهجوم الإرهابي الذي تعرّضت له باريس أمس الأول وما تلاه من أحداث، بأنه يعادل في مفاعيله الفرنسية والأوروبية، أحداث الحادي عشر من أيلول، لناحية الخيارات السياسية والإجتماعية والتداعيات المرتَقَبة منه.

ما يثير الإهتمام غياب التطرّف اليميني عن ردّات الفعل السياسية الأولى، في وقت يتهيّب فيه الفرنسيون تبعاتِ تأثيرات ما حصل على السلم الأهلي، ليس في فرنسا وحدَها، بل وفي القارة الأوروبية عموماً.

غير أنّ ردّة الفعل الأميركية «الباهتة» على رغم خطاب الإدانة الذي أدلى به الرئيس باراك أوباما، تثير بدورها التساؤل عن ماهية الموقف الأميركي الذي يواصل التعاطي مع شؤون «غيره» بعقلٍ بارد، وهو ما بات سمة أميركية عامة في التعاطي مع الأزمات الدولية.

قد يكون من المُبكر التكهّن بإنعكاسات هذا الهجوم لناحية كيفية تعميقه ربط السياسات الأوروبية بالسياسات الأميركية، في قارة تعجز حتى الساعة عن إعادة صَوْغ مرجعيّتها السياسية والإقتصادية والإستراتيجية، فيما هي غارقة في شتّى أنواع الأزمات، ليس أقلّها الركود الإقتصادي وشللها عن ممارسة دَور مستقلّ في السياسات الدولية.

يدعو بعض العارفين بنقاشات الخارجية الأميركية الى عدم توقّع حصول تغيير في سياسات واشنطن في العام الجديد، في وقتٍ ترى دوائر القرار السياسي فيها أنّ حصيلة العام الماضي أعادت تكريسها مرجعية لا بدّ منها.

ومن بين الملفات الأكثر إلحاحاً، يحتلّ ملف الإرهاب الموقع الأول في الإهتمام مجدَداً، في وقتٍ تمسك واشنطن ببقية الملفات، سواء المرتبطة به مباشرة او بالتداعي.

ولا يتوقع هؤلاء أن تتعافى المنطقة سريعاً من حال الإنهيار التي تضرب أوصالها، فيما تَفَكُكها يتواصل من دون قعر منظور حتى الساعة.

بعد أكثر من عام ونصف العام على بدء المفاوضات النووية مع إيران، يبدو المشهد في طهران مُثقَلاً بالإشارات، بعدما تحوّل هذا الملف قضية داخلية ستحدِّد مستقبل النظام برمته، برموزه وأدواته، فيما تتابع واشنطن تصريحات المسؤولين الإيرانيين لتبنّي على الشيء مقتضاه.

ويشدّد هؤلاء على ضرورة عدم المبالغة في التخوّف من عقد أيّ صفقة مع إيران، فيما الأخطار التي تتهدّد الآخرين لا تحتاج إلى هذا «الفيروس».

هذا ما تؤكده كثافة زيارات المسؤولين السعوديين الى واشنطن، في وقت تتحسس فيه المملكة أخطار «المرحلة الإنتقالية» قبيل عملية تبديل رأس النظام، فيما هجمات الإرهابيين تقلق مجمل دول الجوار.

تكشف أوساط أميركية مطلعة أنّ رئيس الإستخبارات السعودية الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز، الذي يمثل أحد أبرز الحلقات في الدم السياسي الجديد، بحث مع المسؤولين الأميركيين ملفاتٍ عدة، من بينها سبل بدء عملية إعادة بناء معارضة سورية معتدلة وتسريعها، ودعم تسليح «جيش العشائر» السنّية العراقية الذي يتوقع أن يصل ممثلون عنها للمرة الثانية الى واشنطن قريباً، وذلك في سياق الحرب على داعش.

في ظلّ هذه الأجواء، قد يكون من نافل القول إنّ الوضع في الإقليم سيبقى على «نارٍ هادئة»، من دون إستعجال إقفال أيّ من ملفاته.

هناك مَن يشير إلى أنّ إعلان الرئيس الجديد لـ»الإئتلاف السوري المعارض» خالد خوجة مقاطعة إجتماع موسكو، قد تمّ بالتنسيق، أو على الأقل بالإيحاء من واشنطن وأنقرة والرياض، فيما التغييرات الميدانية التي جرت في أكثر من ميدان، خصوصاً في حلب وريفها الممتد شمالاً وشرقاً على حساب قوات النظام وحلفائه، توضح بشكل لا لُبسَ فيه أنّ شروط الحلّ لم تكتمل، وليس مُقدّراً لها أن تكون هدية في يد موسكو التي تحتاج الى كثير من العون في هذه المرحلة.

هذا ما يفسر على الأقل التوتر الذي تحدثت عنه أوساط سياسية وديبلوماسية عدة في الأيام الأخيرة بين رأس النظام السوري و»مرجعيته» الإيرانية، وبروز إشاراتٍ متضاربة عن نقاشات غير مريحة كان الروس طرفاً فيها، في ظلّ تعمّق الإحساس بوطأة الأكلاف التي بات يدفعها الفرقاء الذين يتولّون «إنعاش» النظام من دون نتائج مرجُوّة منه.

يقول هؤلاء أخيراً: «بعد مذبحة «شارلي إيبدو»، تبدو واشنطن وحلفاؤها أكثر إقتناعا من أيّ وقت مضى بأنّ شرط الإنتصار على «داعش» لن يتحقق طالما أنّ الوضع في سوريا يظلّ على ما هو عليه.

وبما أنّ شروط توفير حلّ سياسي للأزمة فيها لا تتوفر له عوامل داخلية تعيد تشكيل التوازن التاريخي بين الكتلتين السياسية المدنية والعسكرية، وهو ما تحدّث عنه مؤتمر «جنيف 1» من خلال تشكيل هيئة حكم إنتقالية، فمن الأفضل عدم «التسربل» بصيغ ومبادرات لن تؤدي الى أيّ مكان.