Site icon IMLebanon

إجتماع باريس: لبنان ليس متروكاً

 

المؤتمر الخماسي الذي ستعقده باريس اليوم والمخصّص للملف اللبناني وأزماته الخطيرة، علّق عليه البعض آمالاً كبيرة وبأنه سيصوغ الحل المنشود للبنان. اما البعض الآخر فذهب الى الاتجاه الآخر لناحية عدم إيلاء اي اهمية للقاء الخماسي واعتباره كضربة السيف في المياه، اي حركة إعلامية من دون اي تأثير جدي على الازمات الداخلية وذلك تحت وطأة الانشغال بالازمات الاقليمية والدولية.

في الواقع إنّ وجهتي النظر لا تقاربان بواقعية مؤتمر باريس الخماسي. صحيح ان الحلول ما تزال غير جاهزة وان لبنان ليس أولوية او حتى من بين الاولويات على مستوى الاهتمام الدولي، لكن في الوقت نفسه فثمة حرص دولي على عدم ترك لبنان ينزلق باتجاه الفوضى الشاملة، وبالتالي تحلّل كامل لهيكل الدولة اللبنانية، وهنا الرسالة الأهم لاجتماع باريس. وبالتالي، فإن اهمية اجتماع باريس هي اولاً في حصوله، وهو ما يحمل رسالة تقول: صحيح ان لبنان ليس اولوية في هذه المرحلة، لكنه في الوقت نفسه ليس متروكاً.

 

 

وخلال الاسبوعين الماضيين ومع تأجيل انعقاد الجلسة والتي كانت مقررة منذ اسبوعين، ساد نوع من التوجّس حيال ذلك، خصوصاً ان طلب التأجيل جاء من واشنطن. لكن سرعان ما تبيّن أن السبب يعود لإصابة مساعدة وزير الخارجية الاميركية باربرا ليف بفيروس كورونا، ما ألزَم واشنطن بطلب التأجيل.

 

وأحد اهم اسباب التوجّس ليس فقط لأن الاجتماع من دون واشنطن سيفقد مادته الدسمة، لكن خصوصاً لأن الطرف القادر فعلاً على تأمين التسوية المطلوبة في لبنان هو الطرف الاميركي. ذلك انه بات شائعاً في الكواليس الديبلوماسية بأن «حزب الله» هو الطرف الفعلي في المقلب الآخر القادر على فتح ابواب الاستحقاق الرئاسي وبعيداً عن العناوين التي يطلقها، فهو يريد فعلياً التفاهم على تسوية حيال المرحلة المقبلة، والتي ستبدأ مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية والطرف الدولي الوحيد القادر على صياغة وضمان هذه التسوية هي واشنطن، وظهر خلال المراحل الماضية للعواصم الغربية، إن عبر اللقاءات المباشرة او الاجواء بالواسطة بأنّ «حزب الله» بات مقتنعاً باستحالة إدخال اي تعديلات على نظام الطائف المعمول به الآن، لكنه قد يريد تفاهماً حيال عمل السلطة التنفيذية لاحقاً واموراً تتعلق بضمانات واضحة، خصوصا اننا اصبحنا في مرحلة ما بعد الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل.

 

 

والمشكلة هنا بأن «حزب الله»، الذي بات يدرك فعلياً خيار العواصم الغربية والخليجية الرئاسية، قد يتحضّر لمفاوضات ستأخذ وقتاً لا يستهان به، أضف الى ذلك ان واشنطن، الغارِقة بترتيبات المنطقة وجولة لَي الأذرع مع طهران، لم تعطِ بعد اي اشارة حاسمة تُنبئ بقرب البدء بالتفاوض مع «حزب الله»، ولو بالواسطة، لقناعتها ربما بأنّ التوقيت الاقليمي لم يحن بعد. فعَض الاصابع الحاصل مع ايران لا يفسح المجال الآن لاستعادة اجواء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، ولكن بنسخة رئاسية هذه المرة.

 

وبالعودة الى اجتماع باريس، وبعد توضيح أسباب طلب واشنطن تأجيل الاجتماع، حصل يومها اجتماع لفرق العمل للدول الخمس عبر تقنية الانترنت تحضيراً للقاء 6 شباط.

 

وتم التفاهم على استكمال بعض الخطوات المطلوبة، لا سيما باتجاه السعودية. ولا شك ان مستوى الذين سيحضرون الاجتماع هو أدنى من مستوى وزراء خارجية، ما يوحي بأن لا حلول ستُعلن، لكن الحاضرين هم على مستوى اعلى الموظفين والمستشارين المعنيين، وهو ما يعني مجدداً بأنّ ملف لبنان ليس منسياً على الرف، بل هو موضوع على الطاولة، ولو انّ فَتحه يتطلب إنضاج بعض الظروف الاقليمية.

 

وخلال التحضيرات التي سبقت، كان هنالك اولوية حرصت عليها الدول الخمس وتتعلق بحماية لبنان من اي انهيار أمني شامل. وبالتالي، العمل على تأمين المتطلبات التي تحمي لبنان من جحيم امني. ولهذه الغاية هنالك عاملان يمنعان لبنان من الانزلاق في متاهات الفوضى الامنية: العامل الاول هو بتأمين الظروف اللازمة لحماية المؤسسات الامنية وعلى رأسها الجيش اللبناني. وفي هذا الاطار بَدا الكلام الذي تناوله البعض خلال وجود الوفد النيابي اللبناني في واشنطن حول وقف المساعدات للجيش بالكلام السخيف والخفيف فالمؤسسات الاميركية مهتمة بالجيش اللبناني الى أبعد الحدود وغير ذلك كلام هرطقة. اما العامل الثاني فيتعلق بالمساعدة على تأمين الحد الادنى من «الاوكسيجين» الاقتصادي للحَد من فوضى الشارع، طالما انّ العلاج الاقتصادي الفعلي لم يحن أوانه بعد ولم تتأمن شروطه اللبنانية. ولهذا السبب تحديداً زار الموفد الفرنسي بيار دوكان لبنان. صحيح انه عاد وجدّد انتقاداته لعدم قيام لبنان باستكمال الاصلاحات المطلوبة منه، الا انه اعلن عن زيارة له الى واشنطن لتأمين موضوع الكهرباء.

 

 

وفي اللقاء الخماسي، من المفترض تكريس آلية حول كيفية تأمين مساعدات اقتصادية مدروسة الى لبنان، والمقصود هنا بتعبير «مدروسة» مساعدات على جرعات محدودة.

 

ورغم ذلك ظهرت مشاكل حيال كيفية تأمين هذه المساعدات. فألمانيا، والتي تعرف بالعاصمة الاقتصادية لأوروبا، تبدو مترددة بسبب التطورات الدراماتيكية لحرب اوكرانيا. كذلك فإن ثمة حَرجاً بالنسبة لمصر التي تعاني ازمة اقتصادية خانقة جداً فيما هي تشارك في اجتماع مخصّص لتأمين «اوكسيجين» اقتصادي للبنان. ويبدو واضحاً ان وجود قطر سيكون مساعداً جداً لـ»حَقن» الاقتصاد اللبناني بجرعات ملحة، وهو ما ادى الى التخفيف من حساسية السعودية تجاه دور قطر في لبنان والمشاكل الاقتصادية لم تكن هي الوحيدة التي شغلت بال المشاركين، بل ايضا المشاكل السياسية. فالبعض يتوقع ان يكون السقف السياسي للسعودية مرتفع من خلال اعادة التمسّك بالعناوين التي وردت في اللقاء الثلاثي في نيويورك.

 

فالمملكة ترى انّ ايران خسرت الكثير من أوراق قوتها في المنطقة في الآونة الاخيرة، وان ظروفها الداخلية تعمّها المشاكل، ما يعني ان موقعها في معادلة الشرق الاوسط تراجع ولا بد من التعامل معها وفق هذا المعطى.

 

 

ويعتقد بعض المراقبين ان هذا السقف العالي للسعودية هو احد الاسباب الرئيسية لعدم قيام واشنطن بفتح الابواب امام إنجاز تسوية سياسية مع «حزب الله» حيال الاستحقاق الرئاسي.

 

وثمة مشكلة ثانية تتعلّق بعدم وجود «حصان» سني قادر على ترجمة التسوية الخارجية عندما يحين وقتها، فلا سعد الحريري سيعود الى الساحة السياسية اللبنانية قريباً ولا يوجد من هو قادر على القيام بالدور الذي كان يقوم به.

 

لكن أغلب الظن انّ اجتماع باريس اليوم سيعمل على التحضير لعقد جلسة ثانية للدول الخمس بعد اشهر معدودة والأرجح قبل فصل الصيف المقبل، ويكون الحضور فيها على مستوى وزراء خارجية، وان تشكّل محطة حاسمة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية.

 

الواضح ان لبنان «الغير متروك» قد يكون بحاجة لهذه المرحلة الفاصلة للاستفادة من المنشطات الاقتصادية التي سيجري حقنه بها، وعلى ان تشهد هذه المرحلة ترتيب التسوية المطلوبة حول لبنان والتي ستقودها واشنطن، على ان تكون ظروف المنطقة قد اصبحت اكثر نضجاً، وان تكون العلاقات الفرنسية – الايرانية قد استعادت استقرارها السابق.