الدوحة تحذر من تجارب حصول الإستحقاقات على “الساخن”
باريس مع دعوة بري للحوار… ومصر تطرح الأسئلة الصعبة؟
الحوار الفرنسي مع حزب الله لم يتأثر بالتصعيد مع طهران
كثرت التساؤلات في الساعات القليلة الماضية عن سبب التأخر في صدور “التوصيات” لا “القرارات” عن الخارجية الفرنسية، حول الاجتماع الخماسي “الفرنسي – الأميركي – السعودي – المصري – القطري”، الذي خصص للبحث بالازمة اللبنانية بعد ظهر يوم الاثنين الماضي. الانتظار والبحث عن الاسباب سواء صدر بيان “الكيدورسيه” او لم يصدر، ليس امراً مهما بالنسبة لمصادر ديبلوماسية تحدثت امام عدد من “الاصدقاء” في بيروت عن قلقها ازاء “البلادة” الاميركية – السعودية الواضحة التي سادت خلال اللقاء، والتي وصلت الى حد عدم الاكتراث بالاجابة عن السؤال حول “اليوم التالي” لانفراط عقد هذا اللقاء الدولي، دون ان تتبلور صيغة واضحة يبنى عليها للمتابعة والتواصل حولها مع اطراف اقليميين لم يحضروا كايران، وكذلك مع الاطراف اللبنانية التي تنتظر “وشوشة” خارجية للتحرك.
وقد انتهت المشاورات دون وضع اي آلية او استراتيجية لدفع او مساعدة الطبقة السياسية اللبنانية للعمل على ملء فراغ المؤسسات وانتخاب رئيس جديد للجمهورية والتفاهم حول عناصر الحكومة الاصلاحية الجديدة، لبدء التعاون مع صندوق النقد الدولي ووقف الانهيار. كل هذا لم يحصل لسبب وجيه وبسيط يرتبط بعدم وجود رغبة اميركية – سعودية في ذلك. ما دفع الجانبين الفرنسي والقطري الى التحذير من المجهول، وقد ايدهما في ذلك الجانب المصري.
ووفقا لتلك الاوساط، فان “ناقوس الخطر” الذي دقه الفرنسيون ومعهم القطريون، لم يلق الآذان الصاغية الا من الجانب المصري، الذي كان متخوفا ايضا من تداعيات الفراغ الرئاسي وطول مدته، فالدخول في الشهر الرابع من دون رئيس ومن دون أفق واضح لكيفية “نزول” كافة الاطراف في الداخل عن “الشجرة”، تضع لبنان امام المجهول، لان فترة الشغور تبدو طويلة ومفتوحة. واذا كانت سنتان ونيف من الزمن فصلتا بين نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان وانتخاب الرئيس ميشال عون، فأن الحالة الراهنة تبدو اكثر سوءا في ظل الانهيار الاقتصادي الكبير من جهة، وفي ظل غياب احتمالات حصول توافق داخلي بين الخصوم الذين سهّلوا وصول الرئيس عون الى بعبدا بمواكبة خارجية وازنة، كانت بمثابة “المظلة” لتمرير الاستحقاق.
وامام هذا الشلل الداخلي والخارجي تخوف الوفد القطري على نحو واضح من تكرار تجربة الخروج من الازمة على “الساخن”، كما سبق وحصل سابقا في عدة تجارب لم تخلو من العنف، وكان عرض للشغور الذي امتد لنحو ستة أشهر بين انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود وانتخاب الرئيس ميشال سليمان، وانتهت الازمة بمواجهة مسلحة في شوارع بيروت في ما يعرف باحداث7 أيار، ولم يحصل الانتخاب الا بعد “اتفاق الدوحة”. وذكر القطريون بان لبنان أيضا عاش فترة فراغ رئاسي ايضا استمرت عاما ونحو شهرين بين نهاية ولاية الرئيس أمين الجميل وانتخاب الرئيس الشهيد رينيه معوض، وحصل ذلك تتويجا لحرب اهلية امتدت سنوات وتمت “الولادة” في الطائف. ووفقا لتلك المصادر، تساءل الموفد المصري ماذا ننتظر، هل نحن بانتظار “دوحة جديدة”؟ لا يعرف احد غير الله اين يمكن ان تعقد؟ وما يسبقها من احداث؟ ام اننا صرنا اكثر قبولا لتقبل البحث في بلورة “طائف جديد” يعيد النظر كليا في تركيبة النظام في لبنان؟
طبعا، السعوديون جددوا الكلام الواضح والثابت بعدم التخلي عن الطائف باعتباره نظاما لم يطبق ولا يزال صالحا، وهو امر يؤيده الاميركيون، لكن دون تقديم اي تصور لحل الازمة راهنا. بينما عاد الفرنسيون الى طرح افكار وردت في تقرير للسفيرة الفرنسية آن غريو سبق وسلمته الى الرئاسة الفرنسية قبل ايام، وحملته معها الى الاجتماع، وفيه دعوة فرنسية للاطراف المؤثرة على بعض القوى الداخلية للتشجيع على الموافقة على دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري للحوار دون التمسك باي آلية محددة. وشدد الفرنسيون على ان فكرة الحوار بحد ذاتها مطلوبة بشدة، ليس لأن بري من دعا اليه، او لوجود توافق معه على جدول اعماله، وانما لان المجلس النيابي الآن يشكل وحده المؤسسة الشرعية غير المشكك بها، ولا “مظلة” اخرى لعقد حوارات مماثلة…
وكان من الواضح من المقاربة الفرنسية، ان باريس تريد اخراج الاستحقاق اللبناني من دائرة الصراع المتصاعد مع ايران بسبب الحرب الاوكرانية والملف النووي، وفي هذا السياق، لفتوا الى ان “قناة” الحوار مع حزب الله لا تزال مفتوحة، ولم تتأثر بتدهور العلاقة مع طهران مؤخرا، ما يعني ان الطرف الآخر لم يكن معنيا بربط مصير الملف اللبناني بملفات المنطقة، “ونحن ايضا لا نريد ذلك” يقول الفرنسيون، الذين لا يرغبون ايضا ان يبقى الملف اللبناني في “الثلاجة” بانتظار تبلور تسوية ايرانية – سعودية، وهم يدركون ان تسوية مماثلة تسهل الخروج من الازمة، لكن التوصل إليها ليس بالأمر السهل.
ووفقا للمعلومات، طلب القطريون ابقاء قنوات الحوار غير مغلقة مع الايرانيين، مع اصرارهم على عدم تضمين اي كلام علني، اي انتقادات لأطراف محددة بخصوص الفراغ المؤسساتي وتدهور الأوضاع في الداخل وفي الخارج. وتوافقوا مع الجانب السعودي على صيغة تتحدث عن ضرورة محافظة اللبنانيين المبادئ الأساسية التي تنطلق منها الأطراف للمحافظة على سيادة لبنان واستقلاله وانفتاحه على محيطه العربي وعدم استخدام الاراضي اللبنانية منطلقا للاضرار بالامن الدداخلي لتلك الدول.
اما بخصوص الدعم المالي الملح، فكان توافق واجماع على عدم تكرار اخطاء الماضي، واي مساعدة ستكون عبر صندوق الدعم الذي أطلقته باريس والرياض للمساعدات الاجتماعية والإنسانية، فيما تم التوافق على حرية كل طرف لتقديم المساعدات يبقى مفتوحا تحت هذا “السقف”.
في الخلاصة، وكما كان متوقعا،انتهى اللقاء “الخماسي” دون نتائج عملية ملموسة، وتحوّل لبنان الى دولة فاشلة لا يثير قلق السعوديين والاميركييين لاسباب “مبهمة”، هذا ما اكتشفه الثلاثي القطري- الفرنسي- المصري، ويبدو ان الاستحقاقات الدستورية وفي مقدمتها ، يجب أن تنتظر حصول صفقة إقليمية- دولية تشمل القضايا الاكثر اهمية اولا وتكون الساحة اللبنانية ملحقا فيها، انها فترة صعبة يقف فيها الجميع في “قعر جهنم” بعدما سقطوا من حافة الهاوية.