IMLebanon

متى يتبلّغ لبنان مقرّرات لقاء باريس وكيف؟

 

في انتظار ان يحسم السفراء ممثلو الدول الخمس، والفصل في ما تسرّب عن لقاء باريس الخماسي مطلع الأسبوع المقبل، بقيت الساحة مفتوحة على مجموعة من السيناريوهات المختلفة، بعد 5 أيام على انعقاده. وتزامناً مع انتظار البعض للبيان الختامي، فقد تناقضت المعلومات إن كان البحث تناول الاستحقاق الرئاسي، والقول إنّه كان غائباً على أساس انّه من مهمّة اللبنانيين، وانّ الأولوية «لإنقاذ» دولة منهارة قبل فوات الأوان. وعليه ما هو الجديد المتوافر؟

كشفت مراجع سياسية وديبلوماسية، أنّ معظم ما نُشر في لبنان، وما توسع في تفسيره الناشطون عن لقاء باريس الخماسي الذي ضمّ الموظفين الكبار من فرنسا والولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر لم يكن دقيقاً. فقد استرسل البعض ومزج بين الرغبات والتمنيات، في ظلّ نقص كبير في المعلومات وحكم التكتم على ما استُحضر في اللقاء وما انتهى إليه من مناقشات الساعات الاربع في قصر «الكي دورسيه». ذلك أنّ الغموض الذي لفّ النتائج لم يكن مقصوداً بمقدار ما كان التكتم حتى اليوم، نتيجة للقاء لم يكن تقريرياً بمقدار ما كان محطة «للعصف الفكري» بين المعنيين بملف لبنان، تمهيداً لبناء صورة محدثة لما هو قائم، وما يمكن القيام به من أجل البت بالخطوات المقبلة. فقد بلغت التطورات على سلبيتها مرحلة متقدمة، ولا يمكن البقاء في صفوف المتفرجين.

 

ليس خافياً على أحد، انّ من التقوا في العاصمة الفرنسية الاثنين الماضي هم على مستوى الموظفين الكبار والمديرين العامين ورؤساء الخلايا التي شُكّلت في عواصمهم، من أجل مواكبة التطورات اللبنانية بأدق تفاصيلها، وما بين مجموعة من المكلّفين متابعة أدق التفاصيل، إلى مرحلة باتوا فيها كاتمي أسرار كثير من الأطراف اللبنانيين وقياداتهم، حيث تتجمّع مختلف الأفكار المُعلن عنها وتلك المضمرة، وبئراً عميقة لكثير من الأسرار التي تحويها الصالونات السياسية وكواليسها، والتي وإن بقيت خافية على أحد، فإنّها ما زالت ضمن التركيبة اللبنانية السياسية والحزبية وقنواتها الخارجية المفتوحة بين بيروت وعدد من العواصم في الاتجاهين.

 

وعليه، كان لا بدّ من ان يلتقي هؤلاء على الطاولة الباريسية التي كانت المبادرة إلى مثل هذه الدعوة، للبحث بين من اكتسبوا صفة الخبراء في الشؤون اللبنانية، بعد التعديلات الاخيرة التي ادّت في المرحلة الاخيرة الى اعادة نظر في كثير منها. وفي علم المراجع المعنية، معلومات دقيقة عن إقصاء بعض اعضاء الفريق السعودي قبل فترة غير قصيرة، وإنهاء أدوار عدد من السفراء والمكلّفين متابعة بعض الخطوات، كما تمّ تفكيك أخرى كالخلية الفرنسية مثلاً، إثر الخلافات التي عصفت بين اعضائها على مدى العامين الماضيين، منذ أطلق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أولى مبادراته في الاول من ايلول العام 2020 عقب جريمة تفجير مرفأ بيروت في 4 آب من ذلك العام، وما أصاب المبادرات الرئاسية الفرنسية المتتالية من فشل.

 

 

وإن كانت بعض المعلومات قد تحدثت عن إصابة بعض المسؤولين من أعضاء تلك الخلايا وفرق العمل الديبلوماسية بما سُمّي «عدوى اللبننة»، فقد فرضت الظروف مقاربة جديدة للوضع في لبنان، نتيجة استمرار الهريان الذي أصاب الدولة ومؤسساتها، والعجز عن قيام المسؤولين بأي خطوة علاجية تجاه أي من الملفات التي أُدرجت على لائحة القضايا الخلافية التي استحال عليهم معالجتها او الحؤول دون أي من تردّداتها السلبية، إلى ان تفاقمت وبلغت حدوداً اقتربت من درجة استحالة معالجتها، حتى باتت تهدّد الدولة ومؤسساتها التي افتقدت القدرة على تقديم الحدّ الأدنى من خدماتها اليومية للمواطنين والمقيمين على الأراضي اللبنانية.

 

وانطلاقاً من هذه المخاوف، التي بلغت الذروة نتيجة الانهيارات المالية والصحية والاجتماعية والخدماتية، في ظلّ استمرار المناكفات بين المسؤولين، ونتيجة الفشل في وضع حدّ لخلو سدّة الرئاسة، هو ما هدّد مصير الخطوات التي كان يجب القيام بها، ترجمة لمجموعة الاتفاقيات والتفاهمات التي أُقرّت ووقِّعت عليها بالأحرف الاولى، وأبرزها تلك التي عُقدت على مستوى الموظفين الكبار مع صندوق النقد الدولي في 9 نيسان الماضي، والتفريط بـ «وحدات حقوق السحب الخاصة» التي تسلّمها لبنان من الصندوق وضاعت في غياهب قرارات الدعم غير المدروسة التي فرّطت بموجودات مصرف لبنان ومّست الاحتياطي الإلزامي للمصارف اللبنانية لديه، إلى درجة لم يعد أحد قادراً على وضع حدّ لها .

 

ولا تُستثنى من هذه اللائحة عدم القدرة على التجاوب مع احتياجات القروض المطلوبة من البنك الدولي، إن على مستوى تمويل برامج الفقر المتنامي في لبنان، واستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية، وسط استحالة لبنان على سدادها مهما طالت المِهل والتسهيلات الممنوحة. فالتجارب السابقة لا توحي أنّ لبنان التزم يوماً بردّ ما استلفته مؤسساته من البنك المركزي، ولا على مستوى القروض الدولية، بعد تمنّعه عن الدفع، والإيفاء بالتزاماته الدولية منذ 9 آذار 2020، وصولاً إلى ما بلغ الذروة على مستوى انهيار أسعار العملة الوطنية وانعدام القدرة الشرائية لدى فئة كبيرة من اللبنانيين، وباتت معظم المؤسسات خارج الخدمة وغياب الموظفين عن اداراتهم والاساتذة الجامعيين والمعلمين عن مدارسهم.

 

وتأسيساً على ما تقدّم من هذه المؤشرات الخطيرة، فقد طرح الجانب الفرنسي على شركائه في المجموعة الجديدة ما سُمّي «المهمّة الإنقاذية» المطلوبة، قبل انهيار هيكل الدولة ومؤسساتها، بطريقة لن تسلم من شظاياها حتى القوى العسكرية الأمنية التي خُصّصت لها برامج عاجلة للحؤول دون الإنهيار الكبير الذي كان متوقعاً، مع احتساب ما يمكن ان تؤدي اليه مثل هذه «الظواهر المأسوية» التي لم تعرفها أي من الدول التي عاشت أزمات كيانية كبرى أدّت إلى انحلالها واعتبارها من الدول المارقة. والأخطر يكمن في استمرار حالات الإنكار التي عبّر عنها المسؤولون اللبنانيون، ورفضهم تحمّل المسؤولية الملقاة على عاتقهم، والاعتراف بما ارتُكب من معصيات بدّدت اموال اللبنانيين من دون اتخاذ اي من الخطوات الاصلاحية المطلوبة لمعالجة الوضع ولجم الانحدار نحو الهاوية.

 

وعليه، ونتيجة لهذا العرض الذي استُحضر على الطاولة الباريسية، بات ما يجب إبلاغه الى المسؤولين اللبنانيين رهن خطوات عدة تلي عودة السفيرة الفرنسية آن غريو إلى بيروت في الساعات المقبلة، لتشكيل وفد مجموعة السفراء الخمسة الذين يمثلون اطراف لقاء باريس، الذين سيجولون معاً ابتداء من مطلع الأسبوع المقبل على كل من رئيسي مجلس النواب والحكومة نبيه بري ونجيب ميقاتي وبعض المراجع المعنية، بما تمّ التوصل إليه من مقررات. وإلى حينه، بات أمر صدور البيان الختامي الذي طارت نسخة اولية منه من باريس إلى العواصم الاربع الاخرى، من دون العودة إليها حتى الأمس القريب، مسألة ثانوية. فالفريق الديبلوماسي الخماسي الجديد سيتولّى مهمّة إبلاغ المسؤولين بما هو مطلوب منهم، على أساس انّه من واجباتهم، مع التعبير عن حجم استعداداتهم إن تجاوبوا ام لا، فلكل ظرف موقف ولكل مقام مقال.