في آلية اجتماعات الدول الخمس من أجل لبنان، تمايزات كثيرة، لكن الخلاصة التي خرج بها اجتماع باريس، هي اتفاق على عودة الاهتمام بالملف اللبناني ومقاربته من زاوية الأحداث الطارئة لا المؤجلة، وهذا بحد ذاته يترجم اهتماماً غير مسبوق، يتطور وفق توقيت انهيار سريع في الوضع اللبناني، قد لا ينفع معه استمرار الجيش وباقي المؤسسات الأمنية في حالة القدرة على استيعاب الأزمة. على وقع حالة الطوارئ هذه، زارت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا رئيس مجلس النواب نبيه بري، وسجلت تحركات لسفراء الدول الخمس في نفس سياق زيارة شيا، وهذا يعني أنّ سفراء الدول الخمس باتوا فريقاً واحداً في التعاطي مع أزمة الفراغ والانهيار، وأنّ هؤلاء، عاجلاً وليس آجلاً، سيضعون أيديهم في طبخة الرئاسة من دون تحفّظ أو خشية من التورط في ملف شائك.
يعيد تحرك الدول الخمس الذاكرة إلى العام 1988 حين حصل الفراغ الرئاسي في الجمهورية، فشكلت لجنة سداسية عربية اجتمعت في تونس برئيسي الحكومة ميشال عون وسليم الحص، ثم تحولت السداسية إلى ثلاثية سعودية مغربية وجزائرية، وانتدبت الممثل الخاص الأخضر الابراهيمي، الذي واكب المساعي حتى الوصول إلى توقيع اتفاق الطائف وانتخاب رينيه معوض في مطار القليعات. وإذا كان السؤال من سيكون الرئيس الذي سيولد بفعل المبادرة الخماسية، فالجواب الأكيد أنّه لن يكون المرشح سليمان فرنجية الذي وضِع على اسمه فيتو سعودي ليس نابعاً من خلفية العلاقة الشخصية، بل من الالتزامات التي لن يستطيع فرنجية التفلت منها، باعتباره مرشح «حزب الله» والرئيس نبيه بري.
خلاصة الاجتماع الخماسي، يمكن اختصارها بتوحيد أجندة التحرك تجاه لبنان وتجاه ملف الرئاسة، فالدول الخمس تسير قدماً على خط تدويل وتعريب الاستحقاق الرئاسي، وهذا ما سيضع «حزب الله» في خانة العرقلة، إذا رفض الجلوس الى طاولة التفاوض لاختيار اسم رئاسي محرر من السيطرة الكاملة للحزب.
تتوقع أوساط مطلعة، أن يقوم «الحزب» بمناورة ينفّذها الرئيس نبيه بري، مفادها أن يقوم بري بجمع عدد النواب المؤيد لفرنجية مراراً وتكراراً، فإذا ما تبين عدم القدرة على القفز عن حاجز الـ65 صوتاً، فسيكون على فرنجية وبشكل اختياري أن يقول «لم أعد معنياً بالرئاسة»، وعندها يمكن الانتقال إلى «الخطة باء»، التي ستعني حكماً البحث في اسم لا يواجَه بالفيتوات الداخلية، ولا بأي معارضة عربية ودولية، وهنا سيكون اسم العماد جوزاف عون في الطليعة، لا بل ربما يكون الاسم الوحيد، باعتباره يحظى بثقة عربية ودولية لا حدود لها، وباعتباره أيضاً لا يخيف أحداً في الداخل، وباعتباره أخيراً أنه بات محطة توافق حماسي، لأكثر من طرف ومنهم وليد جنبلاط الذي انتقل من حالة التوجّس، إلى التبشير بانتخاب جوزاف عون اختصاراً للوقت الضائع، وترتيباً للمرحلة المقبلة الصعبة، التي لن يكون من السهل على أي رئيس جديد التعامل معها بسهولة.