IMLebanon

اللقاء الخماسي والإفراط في التأويل

 

 

بنى كثيرون ممن يعارضون وصول رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية إلى سدّة رئاسة الجمهورية، على ما تسرّب من مضمون المناقشات التي دارت في اجتماع باريس الخماسي، والتي تفيد حسب «معلوماتهم»، انّه كانت هناك ثمة اشارات إلى قبول ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون واستبعاد ترشيح فرنجية.

 

وذهب هؤلاء إلى أبعد من ذلك، باعتبار انّ وصول قائد الجيش بات «مسألة وقت»، وما التصعيد الذي يحدث على المستوى الميداني والتحضير لانفجار اجتماعي كبير سوى «مقدّمة لاجتماع دولي» يفرض انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية. كذلك ذهبوا إلى اعتبار انّ الدور الايراني في المنطقة قد شارف على نهايته، وانّ «حزب الله» «يمر في اصعب ظروفه السياسية بسبب الأزمات السياسية والمادية التي يمرّ فيها»، ما يعتبر انّ المرحلة هي مرحلة بزوغ فجر لبناني جديد بأبعاد اقليمية تتماهى مع الواقع الخليجي والعربي الجديد.

 

 

متابعون للاستحقاق الرئاسي رأوا انّ هذه القراءة تعبّر عن سذاجة في العمل السياسي، وكذلك عن سوء فهم لواقع المنطقة والتوازن الاستراتيجي فيها، وذلك للأسباب الآتية:

 

ـاولاً، لم يصدر أي بيان ختامي عن الاجتماع الخماسي الباريسي، ما يعكس وجود اختلاف جذري بين المجتمعين حول المقاربة اللبنانية.

 

ـثانياً، انّ ما تسرّب من هذا الاجتماع الخماسي يفيد عن بعض التشدّد في الموقف السعودي لجهة الانتخابات الرئاسية، ولكن من دون الذهاب إلى استبعاد مرشحين معنيين. فيما اعتبر الجانب المصري انّ جميع المرشحين الرئاسيين لديهم اقتناعات سياسية، ولكن في امكانهم ممارسة عملهم السياسي من خلال رئاسة الجمهورية بطريقة حيادية ووفاقية، وكأنّ المصريين كانوا يغمزون من قناة فرنجية، الذي يُعتبر منتمياً إلى خط سياسي معيّن، ولكنه يتميز بأداء وفاقي تسووي ووطني وعروبي. إذ تُذكر في هذا الاطار العلاقة التاريخية بين رجل الاستقلال حميد فرنجية وشقيقه الرئيس سليمان فرنجية مع الزعيم العربي جمال عبد الناصر ومن بعده مع الرئيس انور السادات. وللإشارة هنا ايضاً، انّ الشهيدة فيرا والدة رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية هي مصرية الجنسية، وكذلك جدّته إيريس هي مصرية الجنسية ايضاً، وانّ شقيقته الشهيدة جيهان سُمّيت بهذا الاسم تيمناً بجيهان انور السادات.

 

 

ـثالثاً، تسرّب من الاجتماع الخماسي ايضاً، انّ الجانب القطري طلب رفع العقوبات الاميركية عمّن طاولتهم هذه العقوبات، الّا انّ الجانب الاميركي كان متشّدداً في رفض هذا الطلب، وكانت هذه هي المداخلة الوحيدة للقطريين خلال الاجتماع.

 

ـرابعاً، أخذ المجتمعون في باريس في الاعتبار، انّ ما من انتخابات رئاسية في لبنان من دون التوافق مع «حزب الله»، الذي لم يرشح احداً للرئاسة، وانما في امكانه دعم ترشيح فرنجية، في حال استطاع الاخير توفير الدعم لترشيحه، كونّه مطروحاً وليس مرشحاً، على ما صرّح به شخصياً في الأمس خلال العشاء السنوي الذي يقيمه في دارة جدّه لمناسبة «خميس السكارى».

 

ـخامساً، من الملاحظ انّ المرشحَين الثابتين والجدّيين لرئاسة الجمهورية هما فرنجية والعماد جوزف عون. وانّ انحصار الترشيحات الجدّية بهما لم يأتِ من فراغ وانما من دراية، فإذا سلك ترشيح فرنجية داخلياً فلن يمانع المجتمع الدولي انتخابه على حدّ ما تسرّب من الجانب الاميركي. أما وصول عون فيكون من خلال مؤتمر دولي توافقي بين الجانبين الغربي والايراني، وبالتالي فإنّ فرنجية وعون لا يتنافسان بالمباشر، إذ انّ ظروف وصول كل منهما مختلفة، وبالتالي انّ اي إحصاء للأصوات هو في غير محله.

 

 

ـسادساً، انّ لكل من ترشيح فرنجية وعون صعوبة معينة. فالاول لديه صعوبات تتعلق بالجانب المسيحي نوعاً ما، إذ انّ كتلتي «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» لا يضمّان اكثر من 38 نائباً مسيحياً، ولكن يبقى هناك 26 نائباً مسيحياً آخرين لديهم التمثيل الكافي لتغطية أي ترشيح رئاسي. وبالتالي، انّ محاولة ترسيخ معادلة انّ غطاء إحدى الكتلتين من شأنها استفزاز بقية النواب المسيحيين وإعلاء صوتهم، بغية إسقاط هذا المعيار الذي اوجده رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل. وللمفارقة انّ باسيل أعطى بذلك شرعية كبيرة مجاناً لخصمه اللدود رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع بهدف قطع الطريق على فرنجية.

 

اما ترشيح العماد عون فدونه هو الآخر صعوبات جمّة، تتصل برفض معظم القوى السياسية له، وانّ مجاهرة بعضها بعدم رفضه تأتي على سبيل المناورة، إذ انّ قائد الجيش في امكانه ان يشكّل، كما فرنجية، خياراً ثالثاً لدى المسيحيين، من شأنه استقطاب شريحة كبيرة منهم، وبالتالي يعيد تجربة الرئيس ميشال عون عام 1989 التي طغت على حزب «الكتائب» و»القوات اللبنانية» في حينه.

 

وقد تسرّب ايضاً انّ السفيرة الاميركية دوروتي شيا قد تدخّلت في النقاش خلال الاجتماع الخماسي، واعتبرت أنّ قائد الجيش في حاجة إلى تعديل دستوري لكي يكون مرشحاً، ما دلّ الى انّ الولايات المتحدة ليست في وارد تسهيل انتخابه. أضف الى انّ الوفد النيابي الذي زار واشنطن قبل اسبوعين سمع كلاماً قاسياً لجهة وجوب حل المشكلة داخلياً والاتفاق على رئيس للجمهورية.

 

 

ـسابعاً، انّ الواقع الشيعي في لبنان لا يتحمّل أي تنازلات سياسية بعد الآن، خصوصاً بعد محاولة العزل التي يقوم بها فريق كبير من اللبنانيين بدعم خارجي. فإذا انتُخب رئيس جمهورية غير موثوق لدى «الثنائي الشيعي»، وتمّ تكليف رئيس حكومة يتماهى مع المملكة العربية السعودية وفي ظل أقلية نيابية لـ»الثنائي»، وبعد انفراط عقد «تفاهم مار مخايل»، فما الذي يبقى لهذا الثنائي. ولذا، ومن هذا المنطلق، يستبعد المراقبون تخلّي الثنائي عن دعم ترشيح فرنجية الذي لا يشكّل بالنسبة اليه استفزازاً للطرف الآخر، كونه يؤمن بأمرين يفترض تلازمهما، وهما المقاومة و»اتفاق الطائف».

 

ـثامناً، من يفهم السياسة اللبنانية جيداً يدرك انّ الواقع اللبناني هو انعكاس للواقع الاقليمي. إذ يؤكّد مراقبون انّ مرآة اليمن تعكس في لبنان، فإذا استمرت المفاوضات على نحو ايجابي بين المملكة العربية السعودية والحوثيين، فإنّ ذلك من شأنه ان ينعكس ايجاباً على لبنان، والمعلومات تفيد انّ الهدنة القائمة بين الجانبين تمّ تمديدها، وكذلك تمّ الاتفاق على الممرات الانسانية، ويبقى هناك بعض الامور العالقة وهي قيد المعالجة. ولكن ثمة من يفيد انّ الاميركيين قد دخلوا على الخط بهدف فرملة الحل.

 

ـتاسعاً، لا يغربنّ عن بال احد انّ تداعيات الزلزال على سوريا والانفتاح العربي عليها سيشكّلان منعطفاً اساسياً في العلاقات العربية ـ العربية، ما يعطي دفعاً متوقعاً وغير مسبوق لترشيح فرنجية، كونه يشكّل عنواناً للعروبة، فيما يتبرأ غيره من المستعربين الجدد تاريخياً، من العروبة وينسبون أنفسهم إلى انّهم فينيقيون.

 

 

وفي ضوء كل هذه المعطيات، يرى المتابعون للاستحقاق الرئاسي، انّ الإفراط في التأويل حول اللقاء الخماسي في باريس أمر يثير الاستهجان، لأنّ هذا التأويل لا يمكنه ان يغلّب مرشحاً على آخر، بمقدار ما يزيد من حظوظ المرشح الذي إدُعِيَ انّ هذا اللقاء قد استبعده.