ليس أكثر دلالة على أنّ لبنان واستحقاق الرئاسة فيه لم يعودا في صدارة الإهتمام الدولي والعربي أكثر من التطوّرات التي طرأت على اجتماع باريس أو ما تمّ تداوله على أنه اجتماع رباعيّ مخصّص لبحث ملف رئاسة الجمهورية. في الرواية الحقيقية للمتداول أنّ فرنسا كانت أول من بادر إلى طرح الإقتراح على الأميركيين فكانت النصيحة بعدم الذهاب بعيداً في بناء الآمال، وفضّل السعودي بعد التداول حصر البحث بالمساعدات الإنسانية. إستشعر الفرنسيون وجود برودة دولية وعربية في مقاربة إنتخابات الرئاسة في لبنان. والتحرك الذي انطلق التحضير له على سبيل لقاء رباعي تحوّل الى لقاء «زوم»، ثلاثي، وربما ثنائي مع احتمال أن يكون غرضه إنسانياً أكثر منه سياسياً ولن يخرج بما قد يكون على صلة بالرئاسة.
مصدران للقلق الدولي حيال لبنان في الوقت الراهن: المراوحة في انتخابات الرئاسة والعقوبات المالية على شخصيات لبنانية. رغم إحجام الأميركيين عن التدخل واللامبالاة السعودية في الإنخراط مباشرة بالشأن السياسي اللبناني، لكن لبنان لا يزال تحت المجهر. وتفيد تقارير دولية بأنّ الوضع الراهن بما يكتنفه من سوء إدارة محلية وعجز مجلس النواب عن الإتفاق على رئيس هما مصدر قلق دولي. وحدها فرنسا تسعى إلى تحريك الركود لكنّ سعيها مشروط أميركياً ومطوّق بعدم وجود رغبة سعودية.
ثمة اعتقاد غربي أوروبي أميركي مشترك أنّ «حزب الله» يمنع انتخابات الرئاسة في لبنان. وتذهب التقارير الواردة من الخارج إلى حدّ اعتبار ترشيح رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية مرتبطاً برغبة «حزب الله» وسعيه لانتخاب رئيس محسوب عليه. ولذا تتردّد أصداء في الأروقة الدولية أنّ فرنجية مرشح يُستبعد التوافق عليه دولياً وعربياً، ويذهب بعض الدول حدّ تقديم النصيحة بالإقلاع عن التمسّك بخياره والمراهنة على عامل الوقت طالما أنّ مجلس النواب الحالي، بالفريقين المسيطرين، عاجز عن انتخاب رئيس سواء أكان تابعاً لهذه الفئة أم تلك، وتؤكد تلك الدول ضرورة التفاهم على انتخاب شخصية يمكن التوافق حولها. وخلافاً لكل الأجواء المعاكسة فإنّ الأجواء الغربية والعربية لم تبد ما يثبت تبنيها أو تأييدها لترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون. ذلك أنّ ترشيحه في نظرها ما زال لا يحظى بتأييد أي كتلة نيابية ولا يوجد من يتبنى هذا الترشيح بالشكل الذي يظهر فيه تأييد مرشحين آخرين سواء بالسر أم بالعلن.
وحتى اليوم تؤكد مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاع أن لا تداول لأي اسم مرشح، ولا يوجد مرشح مدعوم من قبل أميركا أو فرنسا أو السعودية. لا يقارب الخارج الإستحقاق من ناحية طرح الأسماء بقدر ما يهمّه إنتخاب الرئيس بأسرع وقت ممكن. يراقب الخارج عن كثب مجريات العملية السياسية المتصلة بالرئاسة وعينه على «حزب الله» الذي يضعه في طليعة المتّهمين بالتعطيل.
وربطاً باجتماع باريس المنتظر تقلل المصادر الديبلوماسية المطلعة على المداولات ذات الصلة من أهمية الإجتماع إلى حدّ تفريغه من أي قيمة سياسية متصلة بانتخابات الرئاسة في لبنان، لتقول إنّ كل دولة مشاركة أو تمّ الحديث عن مشاركتها في اللقاء إنما تهدف الى تحقيق غاية مختلفة عن غيرها. فاللقاء الذي تمّ التحضير له ليكون إجتماعاً تشاورياً على مستوى مستشارين للشؤون الخارجية في دولهم وسفراء قد يستعاض عنه باجتماع عبر تقنية «الزوم»، وستقتصر المشاركة فيه على ثلاث دول وليس أربعاً وسيرتدي بعداً إنسانياً لا سياسياً.
تركز أميركا على بحث إمكانية وسبل مواصلة دعم الجيش اللبناني وهو الملف الذي لا تزال توليه إهتماماً على غيره ما يؤكد أنها لا تزال تتعاطى بلامبالاة في الملف الرئاسي اللبناني، وتهدف السعودية من خلال مشاركتها الى إعادة البحث في إمكانية المساعدة في صندوق الدعم من أجل لبنان، في حين ترغب فرنسا في مشاركة قطر من باب إمكانية تقديمها مساعدات لإنقاذ لبنان من أزمته المالية الإقتصادية. لم تمانع السعودية مشاركة قطر لكنها إشترطت أن يكون الهدف في سياق البحث الجاري عن مساعدة لبنان وليس بالشأن السياسي الذي لن يكون مطروحاً بشكله المباشر.
ولا تزال الدول عينها أي أميركا وفرنسا، والسعودية في بحث متواصل للخروج بتصوّر نهائي حول كيفية إنعقاد اللقاء والهدف المرجوّ منه في حين شكّكت الأوساط في المواعيد المتداولة لانعقاده، وقالت إن كل البحث جارٍ بالتفاصيل من دون أن تستبعد أن ينتهي الأمر باجتماعات ثنائية على مستوى مستشارين. وأياً كانت الصيغ فالمؤكد هو أن الإستحقاق الرئاسي لن يكون طبق المتشاورين الرئيسي وأن لبنان لا يزال في خبر كان دولياً.