IMLebanon

الفرصة الوحيدة المتاحة وتعويل على لقاءات بكركي وحوارات كليمنصو 

 

 

لا يزال السعي الجدّي للتوافق الداخلي على اسم رئيس الجمهورية الجديد ينتظر الاجتماع الرباعي (الذي تحوّل الى خماسي ولاحقاً الى سداسي وأكثر) الذي يجري التحضير له في باريس، وقيل إنّ موعده تحدّد بشكل مبدئي في 6 أو 7 شباط المقبل، على مستوى المستشارين ومديري وزارات الخارجية، على أن يتوسّع بعد ذلك على مستوى وزاري في 15 شباط (علماً بأنّ المواعيد ليست نهائية بعد وترتبط بأجندات الدول المشاركة فيه). ويضمّ الاجتماع ممثلي الدول الأربع أي الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر بشكل أساسي، مع إمكان أن يشمل مصر التي تشدّد السعودية على مشاركتها فيه، ليصبح خماسياً، على أن يتوسّع لاحقاً فيشمل الأردن التي تودّ فرنسا أن تكون حاضرة فيه أيضاً، ليصبح سداسيّاً، الى جانب دول أوروبية أخرى. ومن المهم أن تقوم قطر بالتنسيق مع إيران على ما سيتمّ الخروج به من هذا الاجتماع المرتقب، أكان «خارطة طريق» أو توصيات أو ورقة أو غير ذلك.

 

وإذ يرى البعض أنّ اجتماع باريس سيكون إجتماعاً عاديّاً لن يُقدّم أو يُؤخّر في المسار السياسي الداخلي، ترى مصادر سياسية مطلعة أنّه يُعتبر حالياً الفرصة الخارجية الوحيدة المتاحة أمام لبنان الآن، لإيجاد مخرج للأزمة اللبنانية، سيما أنّه يُعقد في ظلّ انشغال الدول المشاركة فيه باهتماماتها وأولوياتها الخاصّة. كما سيعمل المشاركون في وقت لاحق، على تعبئة الدعم والضغط لحلحلة الوضع السياسي المجمّد عن طريق التوصية بضرورة انتخاب رئيس الجمهورية أولاً، ومن ثمّ تشكيل حكومة جديدة قادرة على تنفيذ الخطة الإقتصادية والإصلاحات المطلوبة، وإعادة لبنان الى المحيطين العربي والدولي كدولة فاعلة وموثوق بها. وتنطلق المبادرة، إذا صحّ القول، من أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على ما سبق وأن أعلن،  «لن يترك الأوضاع في لبنان تنهار من دون التحرّك».

 

وأكّدت الأوساط أنّ الاجتماع سيجري في بداية شباط المقبل، على أن يتمّ توسيعه في مرحلة لاحقة (على الأرجح في 15 شباط) الى اجتماع على مستوى وزاري، يجمع الدول المهتمّة بالشأن اللبناني، مثل الأردن، الى جانب دول أوروبية أخرى قد تُبدي رغبتها بالانضمام اليه، من دون أن يتحوّل شبيهاً بـ «اجتماع المجموعة الدولية الداعم للبنان». أمّا الهدف فهو تعبئة الشركاء المهتمين بلبنان للقيام بالضغط على المسؤولين اللبنانيين الذين لا يتحمّلون مسؤولياتهم كما يجب، إذ يتكرّر المشهد نفسه في جلسات انتخاب الرئيس في ظلّ الإنهيار الإقتصادي والمالي الذي يزداد تدهوراً، من دون التوافق على اسم أي مرشّح للرئاسة. الى جانب تحديد ووضع مجموعة الآليات التي يملكها المشاركون فيه والبحث في كلّ ما يمكن القيام به في هذا السياق.

 

وذكرت المصادر نفسها أنّ اجتماع باريس لن يناقش فقط مسألة انتخاب رئيس الجمهورية، بل كلّ ما يجري على الساحة اللبنانية، وما يمكن القيام به من تحرّكات دولية محدودة بالدول المشاركة فيه للضغط من أجل تغيير الوضع القائم، مع تلويح الولايات المتحدة الأميركية بفرض العقوبات على «معطّلي» جلسات الانتخاب بهدف توحيد المواقف الداخلية من أجل المصلحة اللبنانية بعيداً عن المصالح الشخصية.

 

أمّا انضمام مصر والأردن الى الاجتماع، فيتعلّق بالدرجة الأولى، على ما أوضحت، بحاجات لبنان على المدى القصير، أي بضرورة تأمين الطاقة والكهرباء، كمدخل لحلحة الأزمة الإقتصادية والإجتماعية القاسية. وهذا الأمر تدعمه فرنسا لا سيما المشروع الذي كانت بدأته وزارة الطاقة مع كلّ من مصر والأردن لاستجرار الطاقة والغاز منهما عبر سوريا الى لبنان، وتوقّف المشروع لعدم تأمين التمويل اللازم له، ما يتطلّب اتخاذ إجراءات عملية لدفع المبالغ المطلوبة. على أن تقوم الولايات المتحدة بتسهيل إنهاء هذا المشروع، مع رفع تداعيات «قانون قيصر».

 

ولهذا، فإنّ فرنسا والدول المشاركة في اجتماع باريس المرتقب، قد أرسلت إشارات الى المسؤولين اللبنانيين بضرورة التحرّك الداخلي عن طريق عقد «لقاءات ثنائية»، أو «حوار غير مباشر»، على ما أكّدت المصادر عينها، بهدف الوصول الى قاسم مشترك، أو توافق ما على مسار المرحلة المقبلة في لبنان. فـ «خارطة الطريق» التي ستصدر عن اجتماع باريس، لا يمكنها أن تتحقّق على أرض الواقع من دون أن يواكبها توافق وعمل داخلي من أجل تنفيذها. وقد تتضمّن هذه الورقة تحديد فترة معيّنة للتنفيذ قد تمتدّ من ثلاثة الى ستة أشهر على أبعد تقدير، على ما أفادت المعلومات.

 

من هنا، تأتي أهمية «الحوار غير المباشر» الذي يحصل حالياً على الساحة السياسية من خلال اللقاءات الثنائية وإبلاغ بقية الأطراف بنتائجها، مثل تلك التي تجري في بكركي التي زارها خلال اليومين الماضيين كلّاً من رئيس «التيّار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل، ورئيس «تيّار المردة» النائب والوزير السابق سليمان فرنجية كلّ على حدة، كونهما معنيين بشكل أساسي بالملف الرئاسي. على أن تتبع هذين الاجتماعين حوارات ثنائية أخرى مع قادة مسيحيين أو غير مسيحيين مؤثّرين أيضاً. وسيزور الصرح البطريركي خلال الأسبوع المقبل النائب تيمور جنبلاط، على ما أعلن النائب مروان حمادة الجمعة من بكركي. وتأتي زيارات مسؤولين من الحزب الإشتراكي الى البطريرك الراعي لوضعه في إطار نتائج اللقاءات التي حصلت ولا تزال في كليمنصو.

 

أمّا حركة رئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي وليد جنبلاط على أرض الواقع، فهي، على ما شدّدت المصادر المطلعة، منسّقة مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي لا يرى حلّاً لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية سوى بالتوافق والحوار، لأنّه من وجهة نظره لو دعا الى مئة جلسة لانتخاب الرئيس من دون توافق، فلن يُنتخب الرئيس. ولهذا فهو من المشجّعين والداعمين للحوار الذي يجري حالياً، وإن بطريقة تختلف عن جلوس جميع القادة الى الطاولة، أي الى الحوار الذي دعا اليه مرتين ورفضته الكتل المسيحية رغم الظروف الصعبة الراهنة. والمطلوب إذاً أن تتجه الأمور نحو التسوية الخارجية وتواكبها تسوية داخلية، أو توافق داخلي على جميع استحقاقات المرحلة المقبلة، وإلّا فإنّ الوضع في لبنان سيكون آيلاً الى المزيد من الفوضى والانهيار.