شعور باسيل بأن أرض الرئاسة زحلت من تحته حمله على استخدام كل أسلحته
تشخص الانظار الى باريس حيث من المقرر ان يعقد الاجتماع الرباعي على مسافة اسبوع من الآن بين ممثلين عن الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية وقطر والمخصص لمقاربة الوضع اللبناني من مختلف جوانبه السياسية والاقتصادية والمالية، ويفترض ان يقدم كل طرف على الطاولة رؤية دولته تجاه حل الازمة اللبنانية، ومن ثم اجراء محاولة لصياغة مبادرة حل يُجمع عليها كل الاطراف وتعلن في نهاية الاجتماع.
ويعتبر هذا الاجتماع مفصلياً وهاماً جداً، فإما ينجح في انتشال لبنان من الهوة الموجود فيها، وإما يؤدي فشله لا سمح الله الى انزلاق لبنان الى آتون ازمة يصبح من الصعب على اي دولة اخراجه منها، وقد توصل لبنان الى الشوط الاخير في السباق مع الازمات بحيث يتم الاعلان الدولي على انه دولة فاشلة وبالتالي يترك لمصيره.
واذا كان من غير المتوقع ان يصدر عن هذا الاجتماع الدولي في العاصمة الفرنسية اي قرارات تؤدي الى معالجة سريعة للوضع اللبناني، فإنه من المرجح ان يؤكد على الثوابت المعلنة في اكثر من سياسة من قبل الدول المشاركة في هذا الاجتماع وفي مقدمة ذلك المطالبة بالحفاظ على الاستقرار العام من خلال انتظام العمل المؤسسات التي يأتي في مقدمها انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة تكون قادرة على ولوج الاصلاحات المطلوبة من قبل المجتمع الدولي والتي يصرّ عليها قبل تقديم يد المساعدة، كما انه سيكون هناك بنود شبيهة بتلك التي جاءت في الورقة الخليجية الخاصة بلبنان او المبادرة الكويتية.
ومن غير المستبعد ان ينبثق عن هذا الاجتماع تكليف موفد لزيارة لبنان قد يكون موفداً فرنسياً او قطرياً لوضع المسؤولين اللبنانيين في صورة ما نص عليه الاجتماع الرباعي ولتحذيرهم من مغبة الاستمرار في تضييع الوقت والانصراف الى انتخاب رئيس لتجنب لبنان من الانزلاق الى مرحلة الفوضى.
في غضون ذلك والى ان يعقد «المؤتمر الباريسي» فإن الوضع الداخلي على جانب من الاستقرار السياسي وعدم الاستقرار النقدي والاقتصادي، حيث لا جلسة انتخابية لهذا الاسبوع ما لم تبرز في الافق ملامح امكانية حصول خرق ما، وكذلك لا جلسة لمجلس الوزراء بعد تأجيل موعدها الذي كان يوم الخميس المقبل الى حين التفاهم على ما سيتضمنه جدول اعمالها من مواضيع ملحة. وبين هذا وذاك فإن الحركة السياسية مشلولة لا بل معدومة، وإن جُلَّ ما قد يحصل هو تنفيذ المواضيع التي اثارها النائب جبران باسيل في مؤتمره الصحافي اول من امس والتي تضمنت مواقف عالية السقف من شأنها ان يكون لها ارتدادات على اكثر من صعيد، سيما وأنه ذهب في معركته مع قائد الجيش وحاكم المركزي الى نقطة اللاعودة، وكذلك اعلان شبه القطيعة مع «حزب الله» وهو ما سيكون له اجابات حاسمة من الاطراف المعنية بالمباشر وغير المباشر، وهذا قد يسعّر حدة الاشتباك الحاصل على الساحة الداخلية وسيزيد الامور تعقيداً.
وفي رأي اوساط متابعة ان مروحة الاتهامات التي سالها باسيل بحق قائد الجيش وحاكم المركزي وموقفه من العلاقة مع «حزب الله» جاءت نتيجة شعور رئيس «التيار الوطني الحر» بأن حظوظه في حجز موقع له في الاستحقاق الرئاسي باتت معدومة، وانه من المستحيل ان يأتي برئيس على «ذوقه»، كون ان الخارطة السياسية الموجودة حالياً لا تصب في صالحه، ولذا لجأ الى رفع منسوب حدة موقفه من باب إثبات الوجود على الارض التي بات يشعر بأنها تزحل من تحته، وانه لن يكون له القدرة على إحالة الدفة الرئاسية لمصلحته.
وتعتبر الاوساط السياسية انه في ظل بقاء موازين القوى على حالها، وما لم يطرأ عليها اي تعديل فإن المراوحة السياسية في ما خص انتخاب الرئيس ستبقى سيدة الموقف الى اجل غير معلوم، سيما وانه لم تبرز في الافق على الرغم من دخول الفراغ الرئاسي اليوم شهره الرابع اي مبادرات داخلية او خارجية من شأنها ان تخرج الملف الرئاسي من عنق الزجاجة.
وعليه فإن الاوساط السياسية ترى استحالة اي امكانية داخلية للتوافق على حسم الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي فإنه اذا بقي المشهد السياسي على هذا المنوال فهناك مخاوف من ان يمتد عمر الفراغ لشهور طويلة، معتبرة ان الغلطة المميتة التي ارتكبها «الثنائي المسيحي» في رفض دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الحوارية هي من الاسباب الرئيسية في تعثر انتخاب رئيس، سيما وأن «القوات» ومعه «التيار الوطني الحر» يدركان بأن الممر الالزامي لنضوج الهدف بانتخاب رئيس هو التوافق الداخلي زائد المباركة الخارجية، وبما ان هذا الخيار اسقط من حسابات هذين الفريقين فإن الملف الرئاسي ضاع في الطرقات الداخلية والارتباكات الخارجية.
وامام هذا المشهد الداخلي المعيب فإن الاوساط تدعو الى رصد ما يمكن ان يصدر عن اللقاء الرباعي الذي سيعقد في العاصمة الفرنسية والذي ربما يتوسع ليصبح خماسياً بانضمام مصر الى هذا الاجتماع، من دون ان تحسم ما اذا كان في امكان هذا الاجتماع ان يشكل عاملاً مساعداً لانتخاب رئيس، ام انه سيقتصر ببيانه الختامي الى حث اللبنانيين على انتخاب رئيس والذهاب في اتجاه الاصلاحات للخروج من الازمة الراهنة التي باتت تقلق اصدقاء لبنان.