Site icon IMLebanon

الطبخة جاهزة لكن الظروف لم تنضج بعد

 

 

في الوقت الذي سيزور المنسّق الخاص للمساعدات الدولية السفير بيار دوكان لبنان إثر جولة تشمل مصر والاردن، تقوم وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا بأول زيارة خليجية لها تشمل السعودية وقطر. صحيح انّ مهمة دوكان تتركز حول ملف نقل الغاز المصري الى لبنان اضافة الى الكهرباء من الاردن، والبحث في آخر ما استجد على صعيد ملف الاصلاحات المطلوبة من بيروت، الّا انها تلتقي ولو بطريقة غير مباشرة مع احدى مهمات جولة كولونا. فوزيرة الخارجية الفرنسية تحمل معها الملف اللبناني الى جانب الملفات الدولية الداهمة، مثل التدهور الحاصل بين الاسرائيليين والفلسطينيين وكذلك الحرب الدائرة في اوكرانيا، والتي تزداد خطورة. وهذه الحركة الفرنسية التي تستبق ما بات يُعرف باجتماع باريس الخماسي، والذي سيبحث في الدرك التي وصلت اليه الازمة اللبنانية، تبدو مُلحّة وسط البرودة الموجودة على اكثر من صعيد تجاه السعي لإيجاد حل ينقذ لبنان من أزمته.

وخلال الاجتماع التمهيدي الذي عُقد بين ممثلين عن البلدان الخمسة منذ نحو عشرة ايام عبر الانترنت، لمست باريس أنّ الصورة ضبابية وغير واضحة لدى الدول المشاركة حيال طريقة التحرّك تجاه لبنان والطرف الوحيد الذي كان متحمساً هو مصر، اما بالنسبة الى الاطراف الاخرى فإنّ البرودة كانت هي السائدة، ربما لأسباب تتعلق بالتطورات الهائلة في الشرق الاوسط وعلى المستوى الدولي.

 

 

ولذلك عملت العاصمة الفرنسية على التحرك عبر محورين للتمهيد للاجتماع الخماسي:

 

المحورالاول وهو في اتجاه السعودية لحضّها على القيام بدور أفعل للمساعدة في فتح ابواب الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وتقديم التزامات واضحة حيال مرحلة ما بعد وصول رئيس جديد الى قصر بعبدا. وهذا ما ستعمل عليه كولونا خلال زيارتها للرياض.

 

أما المحور الثاني فهو في اتجاه واشنطن بهدف التأكد ممّا اذا كان التوقيت الاقليمي بات يساعد على فتح الملف اللبناني، واستعانت باريس مرة جديدة بديبلوماسية الفاتيكان لتسهيل مهمتها في واشنطن.

 

وستنعكس نتائج الاتصالات الفرنسية ـ الاميركية على مهمة الوفد القضائي الاوروبي، والذي يعمل على ملف تبييض الاموال والفساد من خلال مصرف لبنان. وتتوقّع الاوساط المراقبة ان يندفع الوفد القضائي اكثر في العمق خلال جولته الثانية في حال جاءت نتائج الاتصالات ملائمة وايجابية، مع امكانية الاستعانة بسلاح العقوبات.

 

ولا يخفى على احد أنّ التطورات الاقليمية المتسارعة تخطف انظار العواصم الكبرى وتأخذ الحيّز الاكبر من اهتمامها. ذلك انّ التشنجات والتعقيدات جعلت وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن ينهي جولته في المنطقة من دون إحداث اي خرق على المستوى الاسرائيلي ـ الفلسطيني. وهو ما يؤشّر الى ان احتمالات عودة التصعيد مستقبلاً تبدو مرتفعة. وفي المقلب الآخر من المنطقة والمقصود هنا ايران، استجَدّت تطورات بالغة الاهمية والدقة.

 

الواضح انّ ثمة رسائل حازمة تم توجيهها الى العاصمة الايرانية، فالمسيّرات التي استهدفت اصفهان وانطلقت من مكان ما داخل ايران، جاءت لتُضاف الى سلسلة الرسائل الامنية التي بدأت مع عملية اغتيال العالم النووي الايراني ومروراً باستهداف المنشآت النووية وانتهاء بعملية اصفهان، ومن دون إغفال الكشف عن الخرق الاستخباراتي البريطاني على مستوى عالٍ. هنالك من قرأ في طيّات هذه الرسائل ما يتضمن أنّ خصوم ايران قادرون على الذهاب أبعد من ذلك، لكن لا قرار بهذا حتى الآن. ولو صَح هذا التفسير، فثمة ايجابية في بعض طياته، وهي أن لهذا التصعيد سقف ولو وفق ضوابط جديدة.

 

وخلال المرحلة الماضية أخذ الاسرائيليون على الاميركيين بأنهم يتعاطون وفق سياسة غامصة تجاه ايران، وهو ما جعلَ طهران تستفيد من السياسة الاميركية المترددة. وعدا الخطوط المفتوحة عبر وسطاء والمفاوضات التي كانت تدور من خلال هذه الخطوط، اتهمت اسرائيل واشنطن بغضّ النظر عمداً عن ارتفاع التصدير النفطي الايراني الى الصين بنسبة بلغت 40% وانّ هذا ما جَعل العقوبات من دون فعالية كبرى، وسمح لإيران بتعزيز نفوذها من خلال حلفائها في سوريا ولبنان. من هنا تركّز الضغط خلال الايام الماضية على الطريق البرية التي تربط ايران بالعراق فسوريا وانتهاء بلبنان. وليس سراً انّ احد اهم اسباب مشاركة «حزب الله» في القتال في سوريا هو إبقاء هذا الطريق مفتوحاً وآمناً.

 

وخلال الايام الماضية حصلت غارات جوية على البوكمال وديرالزور وسط حَض السلطات السورية على الامساك وحدها بمفاصل هذا الطريق، خصوصاً انّ التباين بات واضحاً بين دمشق وطهران منذ طرح مسألة المصالحة بين دمشق وانقرة. وقيل انّ ايران عملت خلال الايام الماضية على نقل بعض قواتها وحلفائها من دمشق في اتجاه دير الزور.

 

هذا المناخ الاقليمي المعقّد والضاغط والحساس جداً يدفع بالعواصم المعنية بالملف اللبناني الى انتظار ما سؤول اليه التطورات، كَونها ستؤثر مباشرة على لبنان. فالمسألة توازنات ومعادلات يرسمها الميدان وتجري ترجمتها على الصفحة السياسية. كما ان ايران ومعها «حزب الله» يراقبان التطورات المتفجرة على الساحة الاسرائيلية وينتظران نتائجها لاستثمارها لمصلحتهما. ولذلك، فإنّ الاستحقاق الرئاسي اللبناني يخضع، ولو بنحو غير مباشر، لهذه التطورات والتحولات الحاصلة في المنطقة.

 

رغم ذلك بَدا لكثيرين ان التوجّه الخارجي حيال الاستحقاق الرئاسي قد تبلور، وانّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يتولى مهمة إحداث الخرق داخلياً. وهذا تحديداً ما أثار حفيظة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي شن هجوما مباشرا على قائد الجيش العماد جوزف عون، لكنه، وخلافاً لرغبته، قدّم في هجومه هدية ثمينة له. فبدل ان يُحاصر قائد الجيش ويحرق حظوظه عبر تشويه سمعته، حصل العكس ولا سيما داخل الحالة العونية. وفي هجومه كشف باسيل نفسه بأنه يقف خلف وزير الدفاع في الاشكالات الحاصلة.

 

مشكلة باسيل انه ما زال يتعاطى مع الاحداث وكأنه ما يزال في قصر بعبدا، اضافة الى مقاربته السطحية والمحلية الضيقة للملف الرئاسي. وهذا مزيج قاتل بلا أدنى شك. ففي الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة «الباروميتر العربي» الاميركية لعامي 2021-2022 وشمل 11 بلداً، احتلّ لبنان المركز الثاني للبلدان التي تعتبر أن التحدي الاهم هو الوضع الاقتصادي. فنال لبنان نسبة 48% بعد الاردن الذي حصل أولاً ونال 63%، وقبل مصر التي حلّت ثالثة ونالت 47%.

 

الواضح انّ القلق الاكبر لدى اللبنانيين هو في طريقة مواجهة الانهيار الاقتصادي الحاصل. ولكن اللافت انّ اللبنانيين الذين يرزحون تحت وطأة الهاجس الاقتصادي والانهيارات المتتالية لمؤسسات الدولة، جاء قلقهم الامني ضعيفاً مع نسبة 9% فقط، وهو ما يعطي الفضل للجيش اللبناني والاجهزة الامنية والعسكرية، خصوصاً ان تقييم اللبنانيين لأداء السلطة السياسية في 2021-2022 حاز على رضى 5% فقط من اللبنانيين. وهذه النسبة كانت الادنى على الاطلاق في المقارنة مع بقية الدول، حيث حلّ السودان قبل لبنان مع نسبة 27% والعراق 29%. اما حول الفساد فجاء لبنان في الطليعة مع نسبة 96 في المئة، واما درجة عمل السلطة لمحاربته فلقيت نسبة 11 في المئة فقط.

 

وفي استطلاع آخر أجرته احدى المؤسسات الدولية حازَ قائد الجيش على نسبة 78% من ثقة المسيحيين الذين خَصّهم الاستطلاع، والذين توزّعوا ما بين مقيمين في لبنان وقاطنين في بلدان تتراوح ما بين الخليج واوروبا الغربية والقارة الاميركية.

 

لا شك في انّ هنالك رؤيا موضوعة على المستوى الخارجي للمرحلة المقبلة في لبنان، والتي يختصرها سفير احدى الدول المؤثرة بالقول انّ الخيارات ضيقة جداً.

 

صحيح أنّ جنبلاط خلقَ دينامية جديدة وساعَده في ذلك باسيل من دون ان يدري، لكنّ المشكلة تبقى في التوقيت الذي لم ينضج بعد على ما يبدو.