IMLebanon

«لقاء باريس».. ليس أكثر من «رحلة صيد»!

لم تكن الطائرة الخاصة التي يملكها رجل الأعمال جيلبير الشاغوري، والتي أقلّت النائب سليمان فرنجية الى باريس، قد وصلت بعد الى مطار شارل ديغول، حتى تلقى العماد ميشال عون اتصالاً هاتفياً من شخصية مقرّبة جدا منه تعلمه بمغادرة «البيك» مطار رفيق الحريري الدولي باتجاه العاصمة الباريسية للقاء الرئيس سعد الحريري في منزل الشاغوري.

لم يكن صعباً الترويج لكون الزيارة الباريسية هي للصيد، فآخر رحلة مشتركة بين فرنجية والشاغوري كانت الى كازاخستان في آذار الماضي حيث وضعت طائرة الأخير بتصرّف «البيك» وانطلقا معاً في مغامرة صيد استمرّت أياماً عدة.

شاغوري، ابن مزيارة في زغرتا، هو من أقدم أصدقاء الجنرال ومموّليه السابقين. تربطه علاقة وثيقة جداً بالرئيس نبيه بري وبالنائب فرنجية، وقد لعب أدواراً في السابق في تقريب وجهات النظر بين عون وبري، وبين عون وقوى أخرى.

ببرودة لافتة أذهلت من سارع الى استكشاف أجواء الرابية بعد «انكشاف» خبر اللقاء، تابع «الجنرال» في «ويك اند الاستقلال» مسلسل النفي المتبادل لحصول اللقاء، ثم انقلاب «تيار المستقبل» على مواقفه الأولية بما في ذلك ما نقل شخصياً عن الرئيس الحريري ان لا علم له باللقاء، ومن ثم صمت «المردة» التام بعد النفي الذي جاء على شكل بيان صادر عن المكتب الإعلامي لـ «التيار» يعتبر أن اللقاء لا أساس له من الصحة.

وهنا مفيد التذكير بالنظرة التي تتعاطى بها الرابية مع فرنجية. «هو حليف في الخيارات الاستراتيجية فقط لا غير. في السياسة الداخلية، تقريباً وقوف دائم بوجهنا. في المعركة ضد «سوكلين»، في التمديد لمجلس النواب، في التعيينات العسكرية، في التمديد للقادة الأمنيين، في الحكومة والتشريع في مجلس النواب بغياب رئيس الجمهورية…».

استوعب الجميع المصافحة غير المنتظرة، وذهبت التحليلات الى حدّ ربط اللقاء بما صدر عن النائب سامي الجميل لدى استقباله فرنجية في العاشر من الشهر الحالي حول «مفاجأة الرأي العام بمبادرة لفك المعضلة الرئاسية»، وأبعد من ذلك كثرت التساؤلات عمّا إذا كان لقاء باريس هو المدخل للتسوية الشاملة التي تحدّث عنها السيّد حسن نصرالله…. لكن بقي السؤال الاهمّ ما ردّة فعل ميشال عون؟

من المؤكّد أن سليمان فرنجية لم يرفع سماعة الهاتف ليبلّغ «الجنرال» نيته لقاء الحريري في باريس.. تماما كما لم يفعلها عون حين قرّر الذهاب الى روما للقاء «الشيخ سعد» في كانون الثاني 2014.

بمطلق الأحوال، استشعرت الرابية نيات سيئة من وراء تسريب خبر لا يخدم سوى «المستقبل» في محاولة لتوتير العلاقة مع رئيس «تيار المردة». لكن عون، بخلاف كل من انتظر ردّة فعل سلبية من جانبه، قطع الطريق على المصطادين في الماء العكر. في الشكل، يفهم جيداً تكتّم فرنجية وسرّية تحرّكاته، وفي المضمون «الجنرال» يبدو مرتاحاً الى أقصى الحدود لأن «حدود» اللقاء لن يتجاوز الغرفة التي جمعتهما بضيافة الشاغوري!

بكثير من البراغماتية السياسية، يفلش عون أوراقه أمام الدائرة الضيقة المحيطة به: بالمطلق يؤيّد رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» كل ما يمكن أن يؤدي الى التلاقي بين القوى السياسية. حليفه الأول «حزب الله» يخوض اليوم جولات تفاوض في الشاردة والواردة مع «تيار المستقبل» الذي خذله رئيسه في أكثر من محطة، إن كان في الرئاسة أو قيادة الجيش، مع ذلك هو المؤيّد الأول لتلاقي الخصمين.

في المدى الاستراتيجي، عون أكثر من مرتاح للمسار الذي التزم به «لم أقم بما يخدم مصلحتي، بل مصلحة البلد. التزمت بورقة التفاهم مع حزب الله التي حَمت الداخل والمسيحيين، ووقفت الى جانب النظام السوري في حربه على الإرهاب وأيّدت قتال الحزب في سوريا، واليوم أثبت بشار الأسد صموده، وليست إلا مسألة وقت حتى يتمّ إعلان الانتصار، خصوصا بعد الدخول الروسي المباشر على خط العمليات العسكرية. ومن يريد قطف ثمار ما زرعته فأهلا به. صحتين على قلبه. المهمّ أن يكون الخيار للبنانيين وحدهم».

مع ذلك، الواقعية تغلب أكثر على عبارات المجاملة العفوية. اللقاء الثئائي، بالطريقة التي حصلت، ليس مقدّراً له أن يؤدي الى مكان، برأي عون. لا تقف المسألة فقط عند حدود «تجريب» رئيس أكبر تكتل مسيحي شخصياً لوعود سعد الحريري، بل لما هو أبعد من ذلك. الأخير، برأي المحيطين بعون، لا يتجرّأ أصلا على استقبال فرنجية من دون ضوء أخضر سعودي. لكن السؤال: ما هو ثقل الرياض أصلا في الضغط لإيصال أي رئيس؟ ألم يدرك البعض حتى الآن ان الهجمات الإرهابية ستصل اليها تماما كما وصلت الى فرنسا؟ وعلى هذه الحال، إذا كانت المبادرة سعودية، فما ما هو موقف دمشق وطهران؟

بتأكيد المقرّبين من عون «فرنجية ليس خيار المرحلة بالرغم من كل المساحيق التي تُمرَغ على وجه معادلة سليمان – سعد. في السابق حاول السعودي فصل عون عن حزب الله ثم حزب الله عن سوريا وسوريا عن ايران، وربما اليوم عون عن حلفائه من أهل البيت… المحاولات واحدة والمحرّك واحد، لكن النتيجة واحدة أيضا».