IMLebanon

باريس على طريق واشنطن: لا مبادرات لبنانية

أوان «اتفاق السلّة» لم يحن بعد.. والرئاسة تنتظر

باريس على طريق واشنطن: لا مبادرات لبنانية

في هذه الأيام، لا صوت يعلو على قرع طبول الحرب في اليمن. حلقة جديدة من النار ممزوجة بالدم انضمّت الى بقية المربعات الإقليمية المشتعلة، لترفع من منسوب التوتر بين قطبي المنطقة، طهران والرياض… ومَن خلفهما.

الأنظار شاخصة إلى أرض اليمن وما يمكن لمعاركها أن تغيّر في المشهد الإقليمي الذي يترقّب الساعات الأخيرة لطاولة المفاوضات الدولية حول الملف النووي. من هناك أيضاً قد ترسم معالم الشرق الأوسط الجديد في حال انتهت المفاوضات الى اتفاق يحرر إيران من العقوبات الدولية.

في هذه الدوامة الشاسعة والمعقّدة، لا مكان لـ «الكشتبان» اللبناني على الأجندة الدولية. لا مصالح مباشرة للدول الكبرى ولا حاجة لتدخل سياسي، طالما أنّ الأوضاع شبه منضبطة. ولو بلغ الشغور الرئاسي حافة الـ 300 يوم فهذا لا يضرّ بسلّم أولويات الدول الفاعلة ولا يقدّم أو يؤخر شيئاً في حساباتها، طالما أنّ حكومة «قوس القزح» تقوم بالواجب.

في الأساس لم ترفع الإدارة الأميركية من شأن الملف اللبناني إلا حين احتاجته في نقلاتها على رقعة الشطرنج، وتحديداً في نزاعها غير المباشر مع إيران. هكذا سعت للضغط على «حلقة الوصل» بين طهران والضاحية الجنوبية، أي سوريا، بواسطة القرار 1559، حيث كان الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الابن ينام مهلوساً بالسيادة اللبنانية ويستيقظ على أخبار «ثورة الأرز».

بعد حرب تموز واشتعال الأرض في سوريا، تغيّر المشهد كلياً. تراجعت ورقة لبنان إلى آخر سلّم الاهتمامات الأميركية، فتركت المركبة اللبنانية تسير على هداها شرط عدم اللعب باستقرارها وإشغال مراكز القرار الدولي بتفاصيلها. أن يذهب الرئيس ميشال سليمان الى بيته ويحلّ محله «فخامة الفراغ»، فهذا لن يهزّ وجدان الدول الغربية ولن يدفعها إلى تحريك أساطيلها العسكرية ولا الديبلوماسية كي تجلس اللبنانيين الى طاولة واحدة شبيهة بموائد الدوحة التي حملت قائد الجيش الى القصر الجمهوري.

وحتى قبل اندلاع النيران اليمنية، كانت اهتمامات الدول الغربية، وفي طليعتها واشنطن، في مكان آخر. يسألون زوارهم اللبنانيين، عن الوضع المحلي أكثر مما يقدّمون الإجابات. انشغالاتهم تأخذهم الى مواقع أكثر أهمية.

ملف العلاقة مع طهران هو الذي يشغل بال مسؤولي الإدارة الأميركية. ثمة نقاش كبير في أروقة الإدارة حول أداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد التحرر من قبضة العقوبات. منهم مَن يعتبر أنّ الدولة العائدة إلى قلب المجتمع الدولي ستكون أكثر ليونة وإيجابية في التعاطي مع محيطها، وهناك مَن يرى عكس ذلك ويخشى من توسّع نفوذها وقوتها داخل الإقليم العربي. مرحلة ما بعد الاتفاق هي التي تحتلّ الجزء الأكبر من متابعات أهل القرار الأميركي، والباقي تفاصيل.

بهذا المعنى يصبح الملف اللبناني ثانوياً بالنسبة لمسؤولي الإدارة الأميركية التي تضع الكرة في ملعب أصحابها. يحصر الأميركيون اهتمامهم اللبناني بما يصل الأجهزة الأمنية، وأولها المؤسسة العسكرية، من عتاد وأسلحة تساعد في الحرب على الإرهاب وفي الحفاظ على الاستقرار. ولهذا كان الحرص على رفع عديد ونوعية هذا السلاح لضمان عدم المسّ بالستاتيكو القائم، لا سيما وأنّ حكومة تمام سام نجحت في ملء بعض الفراغ الرئاسي من خلال تسيير شؤون البلد، ولو بالحدّ الأدنى.

هكذا تُفهم البرودة الدولية، لا سيما الأميركية، تجاه الأزمة اللبنانية، حيث يبدو جلياً أنّ واشنطن ليست في وارد قيادة أي مبادرة رئاسية في المدى المنظور. ما يهمّها خلال هذه المرحلة هو منع تسرّب سمّ الفراغ إلى عروق المؤسسات الأمنية، وفق الآلية التي يتوافق عليها اللبنانيون، حتى لو جرت الاستعانة بمسكّن التمديد.

بتعبير آخر، يفضل الأميركيون النأي بأنفسهم عن المستنقع اللبناني فلا يدخلون أنفسهم في متاهة الأسماء والترشيحات ولا الفيتوات.. ولا حتى الكلام المضمر عن تغييرات قد تطال النظام اللبناني، على عكس الفرنسيين الذين حاولوا أكثر من مرة الغوص في وحوله.

ولكن يبدو اليوم، أنهم قد تعلّموا من درس موفدهم فرنسوا جيرو بعد فشل مهمته، وقرروا، وفق مَن يلتقيهم من مسؤولين لبنانيين، الابتعاد عن الملعب اللبناني، على أن يضموا حراكهم إلى حراك المجتمع الدولي على طريقة البيان الرئاسي لـ «مجموعة الدعم الدولية للبنان» في مجلس الأمن.

ما يميّز الفرنسيين عن الأميركيين، أن الفرنسيين مقتنعون أنه لا يمكن حل الأزمة اللبنانية على طريقة انتخاب رئيس للجمهورية يعيد النبض الى الكرسي الأول، لا بل يفترض بتقديرهم التوصل الى اتفاق شامل يراعي كل الأطراف، قد يبدأ الحديث حوله بقانون للانتخابات ولا ينتهي ببعض التعديلات على التركيبة القائمة… ولكن زمن هذه السلّة لم يأت بعد.