اتفاق وقف اطلاق النار الذي روجت له واشنطن بين العدو الاسرائيلي وحركة حماس لا يناسب طرفي النزاع. فصفقة التبادل يتردد الطرفان في القبول بها، وهي الورقة التي خرج بها اجتماع باريس الرباعي لاجهزة المخابرات المصرية والقطرية و”الاسرائيلية” والاميركية… وكان لقاء باريس الامني قد سبقه لقاء امني رباعي عربي برعاية سعودية، مهّد بمخرجاته للاقتراح المصري – القطري لتسوية اقليمية مبهمة، تهدف الى وقف العمليات العسكرية ولعدم تفجير الوضع اقليمياً والمنطقة على اعتباب سنوات، من “رؤية 2030 السعودية للتنمية” في المنطقة.
صفقة تعثر اخراجها الى الضوء بسبب تكتيك التفاوض المتبع من قبل كل جهة، فالجانب “الاسرائيلي” يريد التفاوض تحت النار، بينما حركة حماس تشترط وقف العمليات العسكرية والانسحاب من القطاع للتفاوض، وهذا سر التعقيد في الجزء الاول من عملية التفاوض، والتي تقترح التبادل شعاراً فارغاً من مضمون، تريده الدول الغطاء الديبلوماسي لاستمرار حرب الابادة ضد الشعب الفلسطيني.
ترافق عملية التفاوض على بنود الصفقة، حرب نفسية متعددة المستويات، من مستشار الامن القومي جاك سوليفان الذي وضع اركان واسس التسوية الحالية، وهو من كبار المناصرين لدولة “اسرائيل”، وصولاً الى وزير الخارجية الاميركي بلينكن الذي يزور المنطقة للمرة الخامسة بعد عملية طوفان الاقصى، وصولاً الى الوفود الغربية من وزراء خارجية فرنسا والمانيا وبريطانيا، وقد سبقهم مسؤولو اجهزة مخابراتهم الخارجية وهم “الادارة الحقيقية للصراع من شرق المتوسط الى الخليج”.
الاكيد ان الولايات المتحدة تضغط على مصر وقطر لاقناع حركة حماس بتسوية “هي نصر سياسي لنتنياهو” عجز عن تحقيقه في الحرب المستمرة منذ اكثر من 4 اشهر، والمرشحة للاستمرار خلال الاشهر القادمة. وحرب السيطرة على المعلومات المفتوحة الاعلامية تؤكد ان العدو الاسرائيلي يعمل على مستويين:
– الاول: ان المقاومة ترفض “مقترح الضمانات” وتعرقل الحل
– الثاني: ان الصاق التهمة بحركة حماس يحرر نتنياهو وحكومة اليمين المتطرف من اعباء الرفض “داخلياً وخارجياً” في وقت يبرز حقيقة المقترح “المصري- القطري” وهو:
– لا يتضمن حلا لمشكلة الاسرى ولا العدد المتفق عليه ولا نوعية الاسرى.
– بينما يركز على اقامة نظام جديد لادارة القطاع (مع الحديث المبهم عن فكرة حل الدولتين المؤجل) والذي يرفضه بشكل قاطع نتنياهو.
– اما المرتكز الثالث والاهم في “المقترح” فهو التطبيع مع السعودية والعنوان الكبير ” مواجهة النفوذ الايراني في المنطقة”.
والاهم في “مقترح باريس” الجدول الزمني الضاغط لوقف اطلاق النار قبل شهر رمضان، الذي يبدأ في الاسبوع الثاني من شهر آذار القادم. هذه النقطة تتوافق مع توجه داخل “كابينت الحرب” بضرورة حل اشكالية شهر رمضان حتى لا تنفجر الضفة الغربية، وتحديداً القدس بإنتفاضة تؤدي الى خلط الاوراق داخلياً في الكيان. وكذلك اقليمياً ودولياً حراك سني- شيعي يتوحد خلف المقاومة ضد الغرب، وبخاصة ان كل المحاولات التي تعمل عليها ادارة الحرب الاميركية- “الاسرائيلية” في المنطقة، احياء التآمر الشيعي على السنة وتحريك الخلايا المتطرفة في اكثر من ساحة، هو جزء من سيناريو يتم تحضيره في اليمن خلال الايام القادمة وكذلك في العراق.
هذه النقاط ليست الا نسخة عربية لما يسوق له كبار المحللين والباحثين الاميركيين ، ويتقدمهم الباحث الاميركي جورج فريدمان الذي اطلق ما يعرف “عقيدة بايدن”، وهي خارطة طريق انتخابية للتطبيق قبل الدخول في اشهر السباق الرئاسي. ورغم تعقيدات الخطة واعتمادها للنجاح على حسن نية كل الاطراف “غير المتوفر حالياً”، لذلك يتم التركيز عسكرياً في المنطقة خلال الفترة القادمة على الحفظ على مستوى “الاشتباك الافقي” وعدم السماح بتحويله الى مستوى “الاشتباك العامودي”.
وبين “مقترح باريس” و”عقيدة بايدن” الملفات في لبنان معطلة ومؤجلة ومتشابكة، ولا تسوية قبل حسم العلاقة السعودية – الاميركية.
واذا كانت ادارة بايدن تنتظر الربيع لحسم الملفات، فأن الاقتراب من موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية هو آخر موعد لتحسم المملكة خياراتها الاقليمية والدولية. حتى ذلك الوقت سيستمر نتنياهو بحرب الابادة و”الترنسفير” الفلسطيني الاكبر، لتصبح قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والازمة الاقتصادية والتداعيات الامنية للفراغ ولملفات تتجاذبها “المقترحات الخماسية” والرباعية والثناية حتى حزيران 2024 ، موعد انتهاء المرحلة الثالثة في حرب نتنياهو الاقليمية، لننتقل الى مستوى جديد من التحدي، وربما سيكون مؤلماً على لبنان بعد غزة.