فيما اللبنايون غارقون بالتحاليل والقراءات حول مهمة خماسية باريس، وما ظهرته الصورة، من بنشعي الى البياضة، خلال الساعات الماضية من مشهد حمل الكثير من التبدلات، التي فرضها الواقع على الساحة الجنوبية، استيقظ العالم على فصل جديد من الضربات المبرمجة بين اسرائيل وايران، حيث بالنسبة لمحور المقاومة ومؤيدوه “تمخض الجبل فولد فارا”، اما على الضفة الاخرى فما حصل يحتاج الى كثير من البحث والتدقيق والتحليل، قبل اطلاق الاحكام والتكهنات وجلاء حقيقة ما جرى، وما اذا كان التنفيذ بايد اسرائيلية مباشرة، ام عبر وكلاء في الداخل الايراني، ولكل من الحالين تداعياته.
فمقابل “الصمت” الاسرائيلي الكامل، الذي خرقه تغريدة بكلمة واحدة “ضعيف”، لوزير الامن اليميني المتطرف، ايتامار بن غفير، على منصة اكس، تصدرت ايران المشهد، من الاعلان عن الاستهداف، الى التحليل والاستنتاج، وتامين سردية العملية، لتبدا بذلك حرب الصور وافلام الفيديو.
مصادر دبلوماسية اكدت ان الرد الاسرائيلي “الاولي” والمركب، حمل طابعا امنيا لا عسكريا، قد يكون اكثر دلالة وتعبيرا، من خلال استهداف مقاطعة اصفهان مع ما لها من رمزية واهمية، منطلقة من داخل الاراضي الايرانية، عبر اربع مسيرات من نوع “كواد كوبتر” غير مسلحة، كثر استعمالها في الفترة الاخيرة من قبل اسرائيل، على جبهتي غزة ولبنان، بهدف التشويش والتضليل، فخرقت المنطقة العسكرية في اصفهان التي تضم مطار المحافظة وقاعدة “هشتم شكاري” الجوية التابعة للجيش الايراني، وقاعدة للدفاع الجوي تضم منظومات مطورة من انواع، “آذرخش”، القادرة على رصد وتدمير الأهداف على ارتفاعات منخفضة حتى مسافة 50 كم، “وكمين 2” التي تستخدم لرصد واستهداف المسيرات والطائرات المأهولة والمروحيات، التي تحلق على ارتفاعات منخفضة، تزامنا مع عدد من الصواريخ المجنحة التي اطلقتها طائراتي “اف-35” من علو شاهق، من فوق مياه بحر العرب.
وكشفت المصادر ان تل ابيب لم تبلغ واشنطن بالعملية قبل تنفيذها، خلافا لكل ما يتردد، معتبرة ان رئيس الوزراء الاسرائيلي كان مضطرا لاتخاذ “اجراء ما”، الى حين اكتمال التحضيرات للضربة “الاساسية”، التي تحتاج الى مزيد من التحضير والتنسيق، فكان خيار اللجوء الى تنفيذ عملية امنية، قام بها عملاء للموساد، تسللوا الى داخل الاراضي الايرانية، بمساعدة من مجموعات كردية،عبر منطقة الاهواز، الى غربي مقاطعة اصفهان الواقعة وسط ايران، حيث يتمركز مصنع “مباركة” للصلب والحديد، الاكبر في الشرق الاوسط وشمال وافريقيا، تحت ادارة للحرس الثوري وخاضع للعقوبات الاميركية ، حيث تمكنوا من اطلاق المسيرات من منطقة حرجية، ومنشاة “نطنز” النووية لمعالجة وتخصيب اليورانيوم، التي تعرضت لاكثر من هجوم سيبراني، الحقت به اضرارا كبيرة، والتي تعتبر من اكثر المواقع تحصينا واهمية في المشروع الذري الايراني، فضلا عن شركة صناعة الطائرات الإيرانية التي أنتجت مسيرات شاهد 129، وشاهد 136، وأبابيل، ومقاتلات كوثر، وصاعقة.
ورأت المصادر ان اضرار العملية الاسرائيلية، اذ ان نتيجتها العسكرية “صفر”، فتل ابيب ارادت ايصال رسالة واضحة الى قدرتها على العمل داخل ايران، وتنفيذ عمليات ذات طابع حساس، وهو ما قد يفرض قواعد جديدة للاشتباك، خصوصا ان قدرة العمل العسكري والامني للمحور داخل اسرائيل قد تقلصت الى اقصى الدرجات بعد السابع من تشرين الاول، سواء من غزة او الضفة، وهي امور قد تفتح الباب على صراع كبير، قد يكون الدور الاساس فيه لحزب الله، صاحب القدرة الوحيدة على خوض هذا الصراع، وفقا لما بينه من قدرات خلال الايام الاخيرة.
عليه، ختمت المصادر بالتاكيد ان الجولة الحالية من الاشتباك انتهت الى تعادل سلبي، خرج منه نتانياهو واليمين كرابحين في الداخل، فيما راكم الرئيس الاميركي وادارته نقاطا سلبية اضافية في معركته الرئاسية، ما يفتح الباب على جولات اخرى قد تكون اقصى واصعب بعدما حصلت تل ابيب بعضا من “المكاسب” من “الكيس” الاميركي، ابرزها:
-ضوء اخضر بتنفيذ عملية رفح، باعتبارها مسالة سيادية باقرار غربي – اميركي.
-دعم غربي مطلق في عملية الدفاع عن اسرائيل ووجودها في المنطقة.
-اطلاق يد تل ابيب على الجبهتين اللبنانية والسورية، بموافقة اميركية – روسية، خصوصا ان المعادلة التي تحكم علاقة موسكو بتل ابيب وقواعد اللعبة في سوريا تختلف كليا عنها مع طهران، وهما امران منفصلان.
فهل دخلت المنطقة مدار اللااستقرار لفترة طويلة، وفقا لوجهة النظر التركية؟ ام هو تصعيد الربع الساعة الاخير قبل انجاز التسوية؟ الواضح ان اللعبة عادت لتدور في المثلث التركي – الاسرائيلي – الايراني، والمسالة اليوم اعادة توزيع النفوذ والحصص بين الاطراف الثلاثة، بمباركة اميركية وموافقة روسية، وفقا للظاهر حتى الساعة.