Site icon IMLebanon

إستدراج “الخماسية” إلى الملعب الإيراني: “التعطيل الطويل” للإطباق على النظام 

 

تتخطّى الإستحقاقات الماليّة والأمنيّة الداهمة قدرة اللبنانيين على اجتراح صيغة تحدّ من تداعي هيبة الدولة ومؤسساتها المتهالكة، لتشخص الأنظار في موازاة ذلك إلى الخارج، في محاولةٍ للإستعاضة عن التقاطع البرلماني السلبي، بتعويلٍ على إمكانيّة أن يثمر التقاطع المصلحي ما بين «خماسيّة باريس» وإيران، إنفراجاً على الساحة اللبنانية، يبدأ بانتخاب رئيس للجمهوريّة من ضمن سلّة مطالب لا تنتهي عند إعادة النظر في التركيبة الدستوريّة الهشّة وفق «موازين القوة» القائمة راهناً.

 

إذ تنظر «الخماسيّة الدوليّة» المعنيّة في الملف اللبناني، أي: الولايات المتحدة الأميركيّة، فرنسا، المملكة العربيّة السعوديّة، قطر ومصر إلى الإستحقاق الرئاسي، كمحطة دستورية تفتح الباب أمام إعادة انتظام عمل السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة، ومن خلالهما، الشروع في عمليّة الإصلاح والحدّ من تحلل الدولة، فإنّ للجانب الإيراني وأذرعه في المنطقة ولبنان، مقاربة أخرى.

وترى أوساط متابعة للمبادرات الرئاسيّة القائمة أنّه من المبكر الكلام على إمكانيّة أن تعمد إيران إلى التخلّي عن «الورقة اللبنانية» والإفراج عن رئاسة الجمهوريّة ما لم تكن ضمن سلّة تفاهمات تصبو إليها، أكان مع الولايات المتحدة بطريقة غير مباشرة، أو مع المملكة العربية السعودية عبر تعزيز موقعها في اتفاق بكين القائم على «خطوة مقابل خطوة».

وتلفت إلى أنّ تمسّك الثنائي «حزب الله» – حركة»أمل» بترشيح الوزير السابق سليمان فرنجيّة (51 صوتاً) رغم تعادله السلبي مع مرشح «تقاطع المعارضات» الوزير السابق جهاد أزعور (59 صوتاً)، يهدف إلى استنزاف القوى السياسيّة الأخرى وجرّها بعد تدويل الملف اللبناني، إلى مؤتمر (5+1) برعاية باريس، يبدأ بطرح هواجس المسيحيين ومطالبهم بإعادة النظر في مستقبل النظام و»الفدراليّة» والصيغة التي تضمن شراكتهم الفاعلة في النظام ولا ينتهي قبل إطاحة المناصفة التي كرّسها إتفاق الطائف (وإن كان على مستوى وظائف الدرجة الأولى)، وتكريس «فائض القوة» في صلب التعديلات الدستوريّة «عند حلول الساعة».

في غضون ذلك، برز استمرار نوّاب «الثنائي الشيعي» وحلفائهم من الذين يعطّلون إجراء الإنتخابات الرئاسيّة في دورتها الثانية، تحميل الكتل النيابيّة الأخرى مسؤولية إطالة أمد الشغور الرئاسي جرّاء رفضهم الحوار، على اعتبار أنّ خلفيّة الجهة الداعية تهدف إلى انتخاب رئيسٍ بما يتلاءم وشروط «حزب الله»، ومن بينها، أن «لا يطعن المقاومة، ويضمن الحماية السياسيّة المطلوبة للطائفة الشيعيّة» بعد أن أسرّ أمين عام «الحزب» السيّد حسن نصرالله على مسامع الموفد البطريركي المطران بولس عبد الساتر، أن جهة داخليّة كانت تضمر تهجير الشيعة إلى العراق خلال حرب تموز 2006…

لا حوار داخلي

وفي ظل استعصاء الحلول الداخليّة، جرّاء غياب الجهة المخوّلة رعاية الحوار بعدما أعلن الرئيس نبيه بري أنه أصبح طرفاً في المعركة الرئاسيّة من خلال دعمه فرنجيّة، وحذَر البطريرك بشارة الراعي من «مكيدة» تدفعه للدعوة إلى حوار يبدأ بطرح الإستحقاق الرئاسي ولا ينتهي بإقرار سلّة ضمانات تطيح موازين القوى (السياسيّة والطائفيّة) المصانة في الدستور… تتمسّك إيران عبر «الثنائي الشيعي» بالإصرار على أنّ الخروج من الأزمة لا يتم إلّا بالحوار.

وعند هذا الحدّ، توضح أوساط سياسيّة متابعة أنّ هدف إيران الأساسي لا يقف عند إيصال هذا المرشح أو ذاك بقدر الدخول لاعباً مقرّراً في الملف اللبناني، بل متقدّماً على «المجموعة الخماسيّة» التي برز تخبّطها في تحقيق الخرق الإيجابي المطلوب. وذلك من خلال إشراكها في محادثات «الخماسيّة» ولقاءاتها، وإن بشكل غير مباشر، وصولاً إلى تكريس دورها راعية لحوار وطني لبناني لا بدّ منه في الخارج، إلى جانب إشراكها في الإستثمارات النفطية، وغيرها من المشاريع التي تسعى إليها فرنسا…

3 محطات

وتكشف الأوساط نفسها، أنّ تشدّد حلفاء إيران في الداخل مرتبط بإمساكها بعدد من الملفات الإقليمية، ووضعيتها الثابتة في سوريا والعراق، ومن خلال دعمها الفصائل الفلسطينيّة في الضفة الغربية وغزة، كما تحكّمها بمفاصل السلطة في لبنان. ما يعني وفق المعنيين، أنّ مشاركتها في أي طاولة حوار ستؤدّي إلى اختلال هائل بموازين القوى يصبّ لمصلحتها، إنطلاقاً من 3 محطات تتقن الديبلوماسيّة الإيرانية الرهان عليها:

الأولى، استمرار الرهان على الملف النووي الإيراني بعدما أدّى الإتفاق خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عام 2015 إلى تحرير أموال كانت محتجزة لدى الخزينة الأميركية، مقابل التزامها أي إيران بعدم تخصيب اليورانيوم إلى حدّ إنتاج قنبلة ذريّة، وذلك بمشاركة أطراف أوروبيّة. وهذا ما انعكس حينها إرتياحاً إيرانياً في المنطقة، أدّى إلى سقوط المعارضة السوريّة مع سقوط حلب عام 2015، وتشريع «الحشد الشعبي» بقانون صادر عن مجلس النواب العراقي، وانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة اللبنانية عام 2016.

الثانية، صمود إيران خلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعدما استعاضت الولايات المتحدة عن الإتفاق مع إيران باستخدام الخشونة واستهداف قواعدها العسكرية في المنطقة وصولاً إلى إغتيال قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني وآخرين. ورغم ذلك، حافظت إيران على وضعيتها العسكريّة المتقدمة في المنطقة.

الثالثة، عودة التقارب الإيراني مع إدارة الرئيس جو بايدن، ما أنتج التفاهم «الشفهي» على إمكانيّة استئناف العمل بالإتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران، وتحرير ما يقارب 2.7 مليار دولار لإيران بدل عائدات الطاقة التي تصدّرها إلى العراق، وما يقارب الـ6 إلى 7 مليارات دولار من الخزانة الأميركيّة، مقابل إلتزام إيراني شفهياً أن لا تستخدم هذه الأموال لأغراض عسكريّة في العالم، وذلك بعدما قرر بايدن ترحيل الإتفاق النووي الإيراني إلى ما بعد عام 2024، تجنباً لسقوط هذا الإتفاق في مجلس الشيوخ المعارض لإعادة تعويم إيران التي تزوّد روسيا بالطائرات المسيّرة لضرب أوكرانيا.

ليلى نقولا

وفي هذا الإطار، أوضحت أستاذة العلاقات الدوليّة الدكتورة ليلى نقولا لـ»نداء الوطن» أنّ «انضمام إيران إلى اللجنة الخماسيّة من شأنه أن يرتدّ إيجابياً على الداخل اللبناني، ويجنّب القرارات المرتقب اتّخاذها من قبل (5+1) رفض حلفائها (الثنائي الشيعي)، ما يساهم حكماً في الإسراع في إنضاج تسوية، إنطلاقاً من «مونتها» على الثنائي الشيعي ولاسيما «حزب الله».

وعن الإمساك بالملف اللبناني من أجل استنزاف «الآخرين»، شدّدت على أنّ «إيران تستخدم إستراتيجيّة الصمود والنفس الطويل، وليس استنزاف الأطراف الأخرى»، بعيداً عن ربطها بين الملفات الميدانية التي تمسك بها (سوريا، العراق، لبنان وفلسطين) والأطر التفاوضيّة التي أدت إلى الإتفاق النووي.

واعتبرت أنّ جلوس إيران إلى طاولة الخماسيّة أو عدمه، «لا يحدّ من نفوذها الطبيعي في لبنان»، مشيرة إلى أن «موازين القوى اللبنانية لا تخوّل إيران التفاوض على رأس اللبنانيين، من خلال استخدام هذا الملف من بين جميع ملفاتها التفاوضية وأبرزها الملف النووي الإيراني».

ومع تأكيدها أن إنضمام إيران إلى طاولة «الخماسيّة» يساهم في تعزيز موقعها كدولة فاعلة في الإقليم، رأت أنّ الإنتصار الميداني لإيران وحلفائها في سوريا والإقليم، «لم يخوّلهم تحقيق مكاسب سياسيّة في ظل العقوبات الأميركية الصارمة المفروضة عليها». وهذا ما يحدّ من رهان البعض على «إمكانية أن تعمد إيران إلى استخدام إعادة تعويمها إقليمياً من أجل إدخال تعديلات دستورية في لبنان تضمن مستقبل سلاح «حزب الله» وتعزّز موقعه في السلطة». وذلك وسط إشارتها إلى أنّ «موازين القوى الحاليّة في الداخل والإقليم لا تسمح بتغيير النظام أو طرح هذا الموضوع جدياً، بعد المواقف السعودية العلنيّة الرافضة لهذا الأمر».

وختمت: «نعم تستفيد إيران من انضمامها إلى طاولة «المجموعة الخماسيّة»، إلّا أنّ هذا الأمر لا يخوّلها فرض نفسها على الداخل اللبناني وتغيير المعادلات المرتبطة حكماً بما يمتلك الثنائي الشيعي من قوة ونفوذ».