فرنسا تقف الى يمين أميركا في النظرة الى الاتفاق النووي مع ايران وصدام المشاريع الجيوسياسية في العراق وسوريا. وهي كثيرة المبادرات والأفكار، لكنها قليلة القدرة على التأثير. ولم يكن خارج التوقعات ما حاوله وزير الخارجية لوران فابيوس في الدفع نحو مراجعة عميقة لاستراتيجية الائتلاف الدولي في محاربة داعش. ولا كان وزراء الخارجية للدول الأساسية في الائتلاف يستطيعون الهرب من مسؤولياتهم تجاه تمدد داعش في ثلث العراق ونصف سوريا، وسط تسليط الأضواء على مسؤوليات العراقيين والسوريين. أولاً عن سيطرة داعش مؤخرا على الرمادي وتدمر. وثانيا عن تأمين الوسائل الضرورية للقضاء على التنظيم الارهابي. وثالثا عن ضمان المناخ السياسي الوطني الضروري لنجاح الحرب على داعش.
وليس ما وصل اليه المؤتمرون في باريس سوى ما كان مكتوبا على الجدار بعد اعلان دولة الخلافة الداعشية قبل نحو عام، وعند التوصل الى بيان جنيف-١ قبل نحو ثلاثة أعوام، وفي ظل الغارات الجوية للائتلاف والحاجة الى قوات محلية للقتال على الأرض. فلا التسليم بأن ربح الحرب ضد داعش في العراق مرتبط بربحها في سوريا هو اختراع البارود. ولا رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي سمع للمرة الاولى مطالبته بتسريع الاصلاح والمصالحة وقيام الحرس الوطني، بحيث يشعر السنّة بأنهم يشاركون فعليا في السلطة والقرار، ويخسر داعش ورقة التركيز على الطابع المذهبي للصراع. ولا كان من الضروري ان يتمدد داعش ويتعاظم خطره لكي تعطى الاولوية للحل السياسي في سوريا كشرط لربح الحرب.
لكن من الصعب على حيدر العبادي الآتي من حزب الدعوة ان يخرج تماما على السياسة التي مارسها نوري المالكي. والأصعب هو التوازن بين ما تطلبه اميركا التي يحتاج اليها وبين ما تطلبه ايران التي هي القوة الاساسية النافذة في العراق. واشنطن تريد احتواء داعش وتوسيع العملية السياسية والتركيز على الجيش بعد اصلاحه من دون اللجوء الى الميليشيات الشيعية ان لم تصبح مع السنّة ضمن الحرس الوطني. وطهران خائفة على مشروعها الاقليمي وتريد أن يكون القضاء على داعش جزءاً من انتصار مشروعها الذي يحتاج الى حكومة عراقية حليفة. وليس لديها في العراق وسوريا سوى رد وحيد على خطر داعش: دور الجنرال قاسم سليماني.
والظروف ليست ناضجة لحل سياسي في سوريا لضمان القضاء على داعش. فلا الحل جاء حين كان ممكناً لتسوية الصراع بين النظام والمعارضة، بحيث بدا اعطاء الاولوية لمحاربة الارهاب وسيلة للامتناع عن الخيار السياسي واستمرار الخيار العسكري. ولا التنظيمات الارهابية، وفي طليعتها داعش والنصرة، تقاتل من اجل حل سياسي.