أولويات باريس3 من اجتماع مجموعة الدعم: الأمن والإستقرار والحل السياسي
معركة تحديد الأحجام في مساحات التفضيل المسيحي من عاصمة الموارنة حتى عاصمة النور
ربط معركة جونيه بالمؤتمر الدولي ومزاج الاستطلاعات عوامل أنزلت عون شخصياً إلى ساحة الوغى!
هي محض صدفة تزامنُ الانتخابات البلدية ومعاركها المسيحية الشرسة في زحلة وجونيه والحدث، مع الحراك الديبلوماسي المحلي والخارجي الحاصل، والرامي الى ايجاد حل للملف الرئاسي. لكن معارك تحديد الاحجام لم تكن صدفة، اذ ان ثمة في الرابية وجوارها من استشعر بأن جهتين سياسيتين اتفقتا بالتكافل والتضامن على جعل المساحة المسيحية مدى لصراع ديوك، كي تثمَّر نتائجه اللاحقة في الحراك الديبلوماسي. وأخذت هاتان الجهتان في الاعتبار ان هذه النتائج اللاحقة تتراوح بين حدّين، يؤذيان حكما ملف ترشيح العماد ميشال عون:
أ – إما أن يسقط الرجل في امتحان الأحجام، وعند ذاك يُضرب الحديد الرئاسي حامياً ويتم إخراجه من السباق الرئاسي لمصلحة المرشح الآخر أو أي آخر.
ب – وإما ان يُجهد في عُقْر قوته (كسروان) ومساحات التفضيل المسيحي – الماروني، فيُضرب أيضا الحديد حامياً، لتسقط، والحال هذه، نظرية الرئيس القوي في بيئته، ويُخرج عون من الميدان الرئاسي لمصلحة المرشح الآخر أو أي آخر.
تنبّهت الرابية لهاتين المقاربتين، وزادت الشكوك مع الملابسات التي سبقت الانتخابات البلدية في جونيه، بدءاً من التحالف المضاد الذي جرى تركيبه على عجل وجمع متناقضين، وإنتهاء بالخمسة ملايين دولار التي رُصدت يوم الأربعاء 11 أيار ووزعت مناصفة على شخصيتين كسروانيتين يوم الخميس، وسُيّلت لاستمالة ناخبين أيام الجمعة والسبت والأحد.
بالتزامن، وبلا أي ربط أو ترابط، كانت السفارة الفرنسية في بيروت ماضية في الإعداد لزيارة وزير الخارجية جان مارك ايرولت المقررة في 27 أيار. وكان السفير ايمانويل بون يجول على المسؤولين للتحضير لأجندة لقاءات رئيس الديبلوماسية الفرنسية. في 16 أيار زار بون وزير الخارجية جبران باسيل، وحدد أهداف المسعى الفرنسي بثلاثة: «انتخاب رئيس للجمهورية لكل اللبنانيين وتشكيل حكومة وحدة وطنية وانتخاب مجلس نيابي تتمثل فيه كل الاطراف تمثيلا فعليا». غير أن عبارة واحدة أحدثت الكثير من الجلبة، إذ ورد في تصريحه: «إن وزير الخارجية الفرنسي يزور لبنان في 27 أيار الجاري، ويجري خلال زيارته مشاورات مع كل الأحزاب والسلطات اللبنانية بهدف التحضير لمؤتمر دولي يساعد على حل الأزمتين الدستورية والسياسية».
أحدثت عبارة «التحضير لمؤتمر دولي» طنيناً خافتاً – لكن مقلقاً – في آذان المعنيين بالملف الرئاسي في بيروت. مؤتمر لماذا وعن ماذا في هذا التوقيت الناري، وفي خضم هذا الصفيح الجحيمي على امتداد رقعة سايكس – بيكو؟
تحرّك المعنيون لمعرفة ما القصد والمغزى، في حين كانت مقدمات انتخابات جونيه قد بلغت مدى غير مسبوق من الشحذ السياسي – المالي، حداً ربما هو الذي دفع رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع عقب اغلاق صناديق الاقتراع مساء الاحد الى التأكيد بأن لا ربط بين النتيجة (التي كانت بعض استطلاعات الرأي قد توقعت رجحانها لمصلحة التحالف الرباعي) وبين اتفاق معراب، جازماً: «موضوع ترشيح عون لا بلدية جونيه ولا غيرها ستهزه».
على وقع هذه الجلبة الانتخابية – الديبلوماسية التي ضربت البنيان من عاصمة الموارنة الى عاصمة النور (وبينهما غوسطا!)، رُبطت معركة جونيه بالمؤتمر الدولي، خصوصا مع كلام عن وصول الملايين الخمسة التي أدت الى بعض التبدّل الذي ظهر في استطلاعات الرأي، فتحركت الرابية وقرر العماد عون ان ينزل شخصيا الى ساحة الوغى البلدي.
الاثنين فجر 16 أيار، انقضت العاصفة الانتخابية على محضر انتخابي أُقفل على فوز لائحة التيار الوطني الحر مع الخروق الأربعة، لكنها ستظل، الى حين، مفتوحة على تداعيات سياسية – رئاسية.
بالتزامن، كان السفير بون يستنفر لتوضيح ما فُهم خطأ عن المؤتمر الدولي، والأهم لفك الارتباط الذي اصطُنع لبنانياً بين التحرك الرئاسي الفرنسي ومحاولة إخراج العماد عون من السباق الرئاسي، فأعاد توضيح الصورة، مؤكدا ان مسعى باريس يرمي الى عقد اجتماع لمجموعة الدعم الدولية للبنان وليس لمؤتمر دولي، ومشددا على ان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يسعى الى عقد هذا الاجتماع بغية تحقيق 3 أولويات: الأمن والاستقرار والحل السياسي.
تفهّمت الرابية نسبيا هذا الاستدراك الفرنسي، رغم ان تصريح السفير بون عن السعي الى عقد المؤتمر الدولي جاء من وزارة الخارجية وعقب لقائه الوزير جبران باسيل. لكنها لم تغفل ان ثمة فريقا محليا سعى جاهدا الى استنزاف العماد عون بلديا والى توظيف اي خسارة محتملة في سياق السباق الرئاسي، وأن هذا الفريق عينه لن يفوّت فرصة الانتخابات البلدية (اليوم جنوبا، ثم الأحد المقبل شمالا) كي يكرر المحاولة. لذا فالاستنفار البرتقالي باق على حاله الى حين.