IMLebanon

باريس «قلقة» من سيطرة «داعش» بقاعاً وشمالاً

قيل الكثير وأصغي الى الكثير في زيارة الرئيس تمام سلام، الاولى، لباريس ونتائجها. لم تقتصر على المواقف المعلنة، بل افضت محادثاتها الى دينامية تحضير انتخاب الرئيس في انتظار ان يحين، وتسليح الجيش وقد آن اوانه.

لا تقل المعلومات التي تداولتها المحادثات الرسمية لرئيس الحكومة تمام سلام في باريس، اهمية، عن المواقف التي افصح عنها مضيفوه. على مر اجتماعات الايام الثلاثة بين 10 كانون الاول و12 منه، خرج سلام بمعطيات اختلطت فيها مسحة التفاؤل بمسحة التشاؤم. نجح ـ ولعله الهدف الاول والرئيسي في الزيارة ـ في استعجال شحن الاسلحة الفرنسية الى لبنان كي تبدأ اولاها في شباط 2015، انطلاقا من حجة قالها امام الرئيس فرنسوا هولاند بضرورة تزويد لبنان المتوافر من الاسلحة في المشاغل العسكرية الفرنسية، في انتظار تصنيع تلك التي تضمنها برنامج التسليح عملا بالهبة السعودية، ما دامت الحاجة ملحة اليها الآن بالذات.

رد فعل هولاند للفور ان خابر رئيس اركان الجيش لاستجابة طلب سلام، بعد ان توقع الرياض حتى منتصف كانون الثاني، المهلة القصوى، عقد التسليح.

اما الجانبان المرتبطان بانتخابات رئاسة الجمهورية واعباء النزوح السوري على لبنان، فكان موقف باريس منهما الاستمهال: للاولى في انتظار حصيلة جولات رئيس دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو لايران المرجحة اليوم تليها السعودية. وللثانية ترقب التحرك الدولي بازاء معالجة الازمة السورية، من غير ان يتقين رئيس الحكومة من مقدرة فرنسا على الاضطلاع بدور رئيسي وحاسم في الحرب السورية.

بيد ان حصيلة مبادرة باريس استنادا الى معطيات الديبلوماسية الفرنسية، تتركز على الآتي:

1 ـــ تبدو العاصمة الفرنسية وحدها مَن يتحرّك حيال لبنان داخل المجتمع الدولي، الا انها لا تستطيع وحدها انجاح خطتها للوصول الى انتخاب رئيس للبنان، من دون ايران والسعودية.

ما سمعه جيرو

من روحاني سمعه سلام من الرئيس الإيراني في نيويورك

2 ـــ ما سمعه جيرو من الرئيس الايراني حسن روحاني، هو نفسه ما كان قد سمعه سلام من روحاني عندما التقيا في نيويورك في ايلول الفائت، على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة. مفاده بان الجمهورية الاسلامية تشجع اي تفاهم لبناني ـ لبناني على انتخاب الرئيس، الا ان معطيات الديبلوماسية الفرنسية تتحدث عن غموض في تفسير موقف طهران: تدعم انتخاب الرئيس اللبناني، في وقت لا توحي فيه باظهار ضغوط مباشرة في سبيل هذا الهدف. لمست باريس رأيين متناقضين: اولهما يمثله روحاني، يرغب في فصل ملف لبنان عن ازمات المنطقة، لكنه غير قادر على فرضه. ثانيهما يمثله الحرس الثوري، ومتشددون لا يرغبون، لكنهم غير قادرين على العرقلة. فإذا الحصيلة تجميد انجاز هذا الفصل.

3 ـــ تبعا لما ردده جيرو امام ديبلوماسيين لبنانيين وعرب انه اتفق مع ايران على خريطة طريق بازاء لبنان، بندها الاول انتخاب رئيس، الى بنود اخرى تساعد على اعادة بناء المؤسسات الدستورية الاخرى، ومنها اجراء انتخابات نيابية عامة. بيد انه احجم امام محدثيه عن كشف تفاصيل خريطة الطريق تلك. على انها غير مرتبطة بخريطة الطريق العراقية، التي بدأت فعلا بتأليف حكومة عبادي حيدر وتستكمل بمراحل، احداها التحالف الدولي لضرب ارهاب التنظيمات المتطرفة، وبخريطة الطريق السورية التي ارسى قواعدها اتفاق جنيف ـ 1 بيد انها برسم التعديل في ظل الافكار الروسية الجديدة.

4 ـــ وفق المعلومات التي تتداولها باريس، فإن زيارة وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل لموسكو في 21 تشرين الثاني، انتهت الى فشل ذريع في ظلّ تصلب سعودي حيال نظام الرئيس بشار الاسد، الى حد اقتراح الفيصل على نظيره سيرغي لافروف «اي علوي سوى الاسد» على رأس سوريا، متجاوزا فكرة اسقاط النظام. كان رد لافروف ان من المقبول لدى بلاده الخوض في اسقاط الاسد، لا جدال بأنها لا تزال تريد الرئيس السوري، وتدير أذنها الطرشاء للبحث في كل ما هو نقيض ذلك. يعقب الديبلوماسيون المعنيون بأن علاقة باريس بالرياض وطيدة، وكلمتها مسموعة لديها، من غير ان تكتم الاولى انتقادات في الاخرى، حيال ادائها في بعض الملفات الاقليمية. مع ذلك تلتقيان على استقرار لبنان.

5 ـــ تسعى باريس الى الاضطلاع بدور في تسوية الحرب السورية، برغم كونها طرفا فيها ضد الاسد ونظامه، لكنها تدرك عدم تأثيرها على افرقاء الصراع الداخلي كروسيا وايران الداعمين الرئيسيين للنظام ورئيسه، والسعودية وقطر وتركيا الداعمة لفصائل مختلفة من المعارضة السورية المتطرفة او الاقل تطرفا او المعتدلة حتى. مع ذلك يترجح الموقف الفرنسي من الحرب السورية بين الرغبة في تحديد رؤية واضحة وبين الغموض. جارت انقرة في مناداتها بمنطقة حظر جوي في الشمال، ثم تراجعت بحجة ان خيارا كهذا يتطلب قرارا من مجلس الامن من المتعذر ـ بل من المستحيل حتى اشعار آخر في ظل الموقفين الروسي والصيني ـ الحصول عليه. تعترف بالدعم القوي الذي توفره موسكو لنظام الاسد، وخرج جيرو من مقابلته المسؤولين الروس بحصيلة ان لا ملف لديهم في المنطقة يتقدّم الملف السوري.

لم تفصح موسكو عن افكارها للتسوية السياسية الجديدة انطلاقا من قواعد اتفاق جنيف ـ1، اذ تتقاطع مع المبادرة الجديدة. الا ان ما يذكره المسؤولون الروس ان طاولة الحوار السياسي بين النظام ومعارضيه ستشمل ايضا اولئك الذين لم يكن الاسد يقبلهم قبلا. لا للخوض في مصيره قبل ان تقرر التسوية السياسية اي مستقبل لسوريا.

6 ـــ قلق باريس واضح من عودة الارهابيين، واخصهم الجهاديون الى اراضيها، وتقدّر عدد المقاتلين من اصول فرنسية بنحو 1800 مقاتل متطرف، إضافة الى مئات من اصول عربية او سواها. وهو ما يفسّر الاجراءات الامنية المشددة في مرافق البلاد ومنشآتها، لكنها قلقة ايضا من سيطرة اي من التنظيمات الارهابية كتنظيم داعش او جبهة النصرة على اي بقعة في لبنان شمالا وبقاعا. وهو موقف سمعه الديبلوماسيون اياهم من الرئيس الفرنسي بالذات. بل يذهب الموقف الفرنسي الى ابعد من ذلك، بالقول انه سيمنع بوسائل شتى محاولة من هذا النوع تتوخى الاستيلاء على بقعة لبنانية.

يستند فحوى هذا الموقف الى ان باريس ترفض محو الحدود اللبنانية ـ السورية على غرار ازالة قسم من الحدود السورية ـ العراقية بعد استيلاء التنظيمات الارهابية على جانبي حدود البلدين. ما يعني الاليزيه خصوصا، ان محو حدود لبنان يُسقط النموذج الذي صنعته فرنسا ولا تزال تتمسك به لدولة لبنان، حينما رسمت الحدود للمرة الاولى بينه وسوريا عام 1920 ـ ولم ينقضِ قرن عليها ـ كي يعني ايضا سقوط التجربة الفرنسية في هذا البلد، وفي هذا الجزء من المنطقة. على ان جيرو يدافع عن هذا الموقف بالتأكيد ان فرنسا تنظر الى لبنان على انه «معجزتها»، لا يسعها في اي حال تحت وطأة اي تطورات داهمة او خطيرة التخلي عنه.

كيف تنظر باريس الى الاستحقاق الرئاسي؟