مع أن مجلس النواب يحتسب الآن نصابه القانوني وفق عدد أعضائه الأحياء، بيد أنه يتجاهل قانوناً مثبتاً عام 1990، يعيد احتساب نصاب الأعضاء الذين يتألف منهم قانوناً فور زوال الاستثناء. وقد زال الاستثناء منذ عام 1992
خسارة البرلمان الحالي عشرة من نوابه، من دون أن يبدو جدياً التزام حكومة الرئيس حسان دياب المادة 41 من الدستور بإجراء انتخابات فرعية، يطرح مشكلة ليست جديدة في تاريخ السلطة الاشتراعية. برّرت الحرب الطويلة تناقص عدد النواب بالوفاة أو الاغتيال، فأمكنها تداركه بتمديد الولاية 8 مرات ما بين عامَي 1976 و1990. بيد أن تعمّد تعطيل انتخاب فرعي اليوم، هو أقرب الى ما شاب نهاية ولاية البرلمان المنتخب عام 2009، بأن صار الى تمديد ولايته مرتين ما بين عامَي 2013 و2018. التجربة الجديدة المستعارة تمديد شغور المقاعد.
المعلوم أن ثمة توافقاً مكتوماً بين غالبية القوى الرئيسية على تجاهل الانتخابات الفرعية، ومحاولة إمرار الأشهر المقبلة من دونها حتى الوصول الى كانون الأول المقبل. إذذاك يكتسب التعطيل شرعية دستورية مع دخول البلاد في مهلة الأشهر الستة التي تسبق موعد الانتخابات العامة في أيار 2022. في ذلك الوقت، يبدأ التفكير في سبل «تسميم» الداخل بتبرير تمديد ولاية البرلمان الحالي، بمَن حضر، بذرائع شتى. بعضها بدأت الأحاديث المسهبة عنه، ارتبطت بالوباء المتفشي وبالخلاف على قانون الانتخاب النافذ وتعذّر الاتفاق على سواه، وصولاً إلى حجج الأمن المضطرب والاقتصاد المتهاوي.
مذ أصبح عدد مجلس النواب 118 نائباً باستقالة ثمانية نواب ووفاة اثنين، يكون قد خسر أقل من عُشر أعضائه، بينما خسر المسيحيون 14% من مقاعدهم الـ 64. لكن الأهم أن النصاب القانوني للمجلس، العادي كما الموصوف، لم يعد نفسه: بخلوّ مقاعد هؤلاء، تدنّى نصاب الغالبية المطلقة من 65 نائباً (في برلمان 128) إلى 60 نائباً (في برلمان 118). كذلك نصاب الثلثين بتراجعه من 86 نائباً إلى 79 نائباً، ما يعني أن أي استحقاقات دستورية حالية أو مقبلة باتت جزءاً لا يتجزّأ من التطور الذي طرأ على بنية مجلس النواب حسابياً، في معزل عن الجانبين التمثيلي والسياسي فيه.
بعدما استقال النواب الثمانية بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، ثم أخذت الهيئة العامة للمجلس في جلسة 13 آب علماً بالاستقالات بعد تلاوتها، وتالياً أضحت سارية مذذاك (مع أن الثمانية لا يزالون يصرّون على نعت أنفسهم مستقيلين، فيما أضحوا نواباً سابقين)، تردّد كلام على مستويات مختلفة في السلطة الاشتراعية وخارجها، مفاده أن شغور المقاعد الثمانية، ثم بعدما صارت عشرة، يعدّل النصابين العادي والموصوف على نحو يجعل احتسابهما يخضع لعدد «الأعضاء» الأحياء الحاليين، وقد نقص إلى 118 نائباً، لا إلى عدد «المقاعد» المنصوص عليها في قانون الانتخاب وهو 128 مقعداً. بذلك ينخفض نصاب اجتماع البرلمان عملاً بالمادة 34 من الدستور الملزمة حضور النصف +1 وإقرار القوانين في حضور هذا النصاب، كذلك الأمر بالنسبة الى الحالات الملزمة اعتماد نصاب الثلثين كانتخاب رئيس الجمهورية (المادة 49) واتهامه بالخيانة العظمى وخرق الدستور (المادة 60) واتهام رئيس مجلس الوزراء والوزراء بالخيانة العظمى أو الإخلال بالواجبات المترتّبة عليهم (المادة 70) وتعديل الدستور (المادة 79).
يتمسك أصحاب هذا الرأي بالنصاب العادي الجديد وهو 60 نائباً، وبالثلثين الجديد وهو 79 نائباً، دونما مسارعة المجلس الى تأكيد الطبيعة القانونية لهذا النصاب من خلال إقرار قانون أو اتخاذ قرار بذلك. كلاهما، القرار والقانون، في وثائق السلطة الاشتراعية.
في 29 أيار 1980، اتخذت الهيئة العامة لمجلس النواب برئاسة الرئيس كامل الأسعد قراراً في حصيلة اجتماعين لهيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل ولجنة النظام الداخلي في 28 كانون الثاني 1980 والأول من شباط، حسم السجال الدائر حول احتساب نصاب البرلمان الذي كان قد فقد حتى ذلك الوقت خمسة نواب، وتدنى عدد أعضائه من 99 نائباً الى 94. استندت اللجان المشتركة الى رأي للعالم الدستوري الفرنسي جورج فيديل بإزاء تفسير المادة 57 من الدستور لدى احتساب نصاب قانون أعادَه رئيس الجمهورية. خلاصة قرار المجلس حينذاك لتبرير تناقص الأعضاء، احتساب الغالبية من عدد النواب الأحياء حاضرين ومتغيبين من دون المتوفّين، على أن تُحتسب الغالبية أيضاً من العدد الكامل الصحيح الذي يأتي بعد النصف، لا على أساس النصف زائداً واحداً.
مذذاك اعتمد المجلس الممدّد له حتى عام 1992 نصاب «الأعضاء» لا نصاب «المقاعد»، في معرض تفسير العبارة الواردة في المادة 57 «الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً».
استمر اعتماد احتساب النواب الأحياء في السنوات التالية، سواء في انتخاب رؤساء الجمهورية المتعاقبين أو في إقرار القوانين، الى ما بعد الوصول الى تسوية الطائف عام 1989 وإعادة بناء السلطة اللبنانية. عام 1990، كان قد أضحى عدد الأعضاء الأحياء 70 نائباً بتناقص 29 نائباً، قبل وضع الإصلاحات الدستورية المنبثقة من اتفاق الطائف موضع التطبيق بدءاً من 21 أيلول 1990، وأولها تعيين 40 نائباً لملء الشغور وتحقيق المناصفة في المقاعد ما بين المسيحيين والمسلمين، بجعل البرلمان من 108 نواب.
قبل الوصول الى موعد التعيين في حزيران 1991، أقرّت الهيئة العامة، هذه المرة، قانوناً يثابر على قرار 1980 ويثبّته، باحتساب النواب الأحياء نصاباً قانونياً، في جلسة عقدتها في 21 تموز 1990 برئاسة الرئيس حسين الحسيني. بيد أن القانون المقرّ هذا كان مشروطاً بعامل الاستثناء، ومرتبطاً بمهلة سريان تنتهي عند أول انتخابات نيابية عامة أو فرعية تجرى في البلاد.
قرار 1980 وقانون 1990 ثبّتا نصاب النواب الأحياء حتى زوال الاستثناء
في الجلسة، طُرح اقتراح قانون نص على:
«المادة الأولى: بصورة استثنائية وحتى إجراء انتخابات فرعية أو عامة وفقاً لأحكام قانون الانتخاب، وبالنسبة إلى النصاب فقط المقرر في الدستور، يعتبر عدد أعضاء مجلس النواب سبعين نائباً.
المادة الثانية: يعمل بهذا القانون فور نشره».
نوقش الاقتراح، فأثير أكثر من تحفّظ حيال تدوين الرقم 70 لعدد النواب، وهو رقم مرشح للتزايد، واتفق أخيراً على إدخال تعديل يقضي باستبدال رقم 70 نائباً كي تحلّ محله عبارة «عدد الأحياء».
وافقت الهيئة العامة على التعديل، فأقرّ الاقتراح بالأكثرية، وما لبث أن أصدره رئيس الجمهورية إلياس الهراوي في قانون رقمه 11 مؤرّخ في 8 آب 1990، وقد نشر في الجريدة الرسمية في اليوم التالي.
في فحوى القانون الرقم 11 أن نصاب النواب الأحياء يبقى سارياً إلى موعد إجراء أول انتخابات نيابية عامة أو فرعية في المرحلة التالية لصدوره.
ما حصل في ما بعد، أن أجريت انتخابات نيابية عامة في سنوات 1992 و1996 و2000 و2005 و2009 وأخيراً 2018. ناهيك بفرعية أكثر من مرة.
لا حاجة إلى كل هذه الاستحقاقات لتأكيد وقف مفاعيل قانون احتساب نصاب الأحياء، والعودة الى احتساب نصاب الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب تبعاً لقانون الانتخاب. الاحتساب الأصلي، غير الاستثنائي المشروط، هو الذي يفترض سريانه اليوم على البرلمان الحالي وإن بعد فقدانه أقل من عُشر أعضائه، ما لم يبادر الى استعادة سابقة قرار 1980 أو قانون 1990 أو ما يماثل.