Site icon IMLebanon

… و”البرلمان كمان”!

 

لا تعتبر جلسة اليوم في ظلّ “الحِراب” إلا استهتاراً بمشاعر اللبنانيين الذين قالوا كلمتهم في “منظومة الفساد والإفساد”. وليس الجدل المستمرّ بوقاحةٍ بين أهل السلطة الوزارية والنيابية على حصصهم في الحكومة المقبلة أو على قانون العفو إلا جزءاً من حال الإنكار التي تمارسها الطبقة السياسية المالكة سعيداً حتى “17 تشرين”.

 

فأن تُتْرك البلاد في مهبّ الانهيار المالي وخطر تبخّر تعويضات اللبنانيين أو تجميد أموال صغار المودعين (باعتبار انّ كبارهم وأعضاء مجالس ادارة البنوك المحترمة حوّلوا أموالهم الى الخارج)، بحجّة أنّ منظومة السلطة عنيدة وقوى الممانعة متطيّرة من التدخّل الأميركي ومن مؤامرة كونية أداتها “بوسطة الثورة” وتلاميذ المدارس، يعني أن هناك ضيق خيارات وانفصالاً عن الواقع يخيفان بقدر ما يثيران الشفقة.

 

فبعد 33 يوماً من انطلاق الثورة وثلاثة أسابيع من إسقاط الحكومة و48 ساعة من هزيمة السلطة في نقابة المحامين، يطيب للمجلس الكريم الانعقاد وكأنّ شيئاً لم يكن، أو كأنّه لم يسمع الشعب الثائر يطالب بحكومة مستقلة تدير مرحلة انتقالية. والأكيد انّه لم يدرك أنّ الثورة لم تنفّذ انقلاباً بل حيَّدت مجلس النواب وتركت له إيجاد المخارج وليس ممارسة التحدّي السافر.

 

وللثلثاء الثاني على التوالي، فهم المجلس الرسالة خطأ وظنّ أنه يستطيع متابعة دور “صمّام الأمان” للتركيبة الفاسدة القائمة منذ ثلاثين عاماً. فمنذ الموعد الأول فضح قانون العفو كلَّ المستور كونه جاء ملغوماً ومفتعلاً ومتعدياً على الأولويات التي صاغتها الساحات، وفي جوّ استنفارٍ شعبيّ وعيونٍ مفتوحة على سارقي الأموال العامة ومشرِّعي الصفقات وقوانين الاجازة بالاستدانة والهدر لتمويل مشاريع ذهب أكثر من نصف كلفتها الى جيوب السماسرة وشركاء السلطة. والأمثلة لا تحصى عن ابداعات السادة النواب في كلّ مجالس الجمهورية الثانية بلا استثناء.

 

كان يمكن للمجلس تمرير جلسة نيابية بأضرار أقل وإنتاجية أهمّ لو انه أدرج على جدولها مثلاً قوانين استعادة الاموال المنهوبة، ورفع الحصانات، والسلطة القضائية المستقلّة، تجاوباً مع حدّ أدنى من مطالب الحراك، لكنّه للأسف خيَّب الآمال.

 

قانون العفو العام المطروح بديلٌ سيّىء ووقح عن تطبيق العدالة على الجميع. وقد لا يمرّ حتى وإن اكتمل النصاب، فالكتل التي كانت حتى الأمس القريب تتواطأ ضدّ الناس، وجدت نفسها تحت مجهر الرأي العام. لكنّ الأهم هو أن يقتنع مجلس النواب بأنّ شرعيته صارت موضع سؤال، وأنّ عليه التشريع “بالتي هي أحسن” للخروج من الأزمة. فحبّذا لو يُدعى في أقرب وقتٍ لمنح حكومة جديدة الثقة وصلاحيات استثنائية بلا جدل ومناقشات، لئلا يتصدّر “كلن يعني كلن… والبرلمان كمان”.