لم تحجب الشوائب التي اعترت الانتخابات النيابية في العديد من الدوائر، أهمية النتائج البالغة الدلالات التي أفضى إليها هذا الاستحقاق، وما ستتركه على صعيد التوازنات السياسية، مع اتجاه «حزب الله» وحلفائه لخسارة الأكثرية النيابية، بعد الانتصارات اللافتة لحزب «القوات اللبنانية» و«المجتمع المدني» الذي أثبت حضوره وبقوة، من خلال حصده أكثر من عشرة نواب، في حين مني محور «الممانعة» بخسائر جسيمة في عدد من هذه الدوائر، حيث كان السقوط مدوياً لرئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» طلال إرسلان ونائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي ورئيس «الحزب القومي السوري» أسعد حردان ورئيس «حزب التوحيد» وئام وهاب، وآخرين ممن يدورون في الفلك السوري الإيراني.
وقد أبرزت نتائج هذا الاستحقاق الرغبة الساحقة لدى السواد الأعظم بالتغيير، بدليل فوز مجموعة وازنة من ممثلي الحراك المدني الذين سيشكلون إلى جانب بعض النواب، ما يمكن تسميته بـ«بيضة القبان» داخل المجلس النيابي الجديد، وهو أمر بالغ الأهمية، ما يحمل هؤلاء النواب مسؤوليات كبيرة في عملية إخراج لبنان من مأزقه، والوقوف في مواجهة محاولات إغراقه بالأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية . ودلت نتائج الانتخابات أن لبنان انتصر بكل تأكيد لخيار الديمقراطية، ولانتمائه العربي، في مواجهة الحملات التي كانت تستهدفه، سعياً لتغيير هويته وأخذه إلى مكان لا يتناسب مع مصالحه بأي شكل من الأشكال.
والأهم من كل ذلك، فإن من أبرز الدلائل التي خرجت بها هذه الانتخابات، أن اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم، منحازون إلى خيار بناء الدولة وحماية المؤسسات على حساب خيار الدويلة التي لا مكان لها بينهم، وبالتالي فإن على الجميع مراجعة حساباتهم، والانخراط في مشروع بناء الدولة، لأنه يمكن القول، إن الانتصار الأساس هو لهذا الخيار، ولهذا الخط اللبناني. وبالتالي فإن هناك مسؤولية على القوى التي فازت بالاستحقاق والتي تحمل مشروع الدولة، بأن تتوحد وأن تذهب باتجاه وحدة صف إلى جانب وحدة الموقف، من أجل استكمال هذه المواجهة في الاستحقاقات الدستورية المقبلة.
ولا يجوز إغفال، هذا الإصرار البيروتي الذي ظهر بوضوح في الدائرة الثانية، على المشاركة بحماسة لافتة في الاستحقاق النيابي، لعدم إفساح المجال لتغيير وجه العاصمة، على ما كانت عليه نسبة المشاركة المرتفعة التي فاقت دورة الـ2018. وهذا يعود إلى الدور الذي قام به مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان الذي حث الناخبين على أوسع مشاركة، مدعوماً بموقف خليجي حاسم، لناحية التشديد على أهمية أن يقول اللبنانيون كلمتهم في الاستحقاقات الدستورية، باعتبار أن جهوداً كبيرة بذلت من أجل ألا يصار إلى تغيير وجه لبنان العربي، بدعوة الناخبين «البيارتة» إلى الاقتراع بكثافة في مواجهة محاولات الهيمنة على قرار العاصمة.
وأشارت أوساط سياسية لـ«اللواء»، إلى أن «نتائج الانتخابات تركت ارتياحاً لدى دوائر القرار الخليجية على مختلف المستويات، بعدما تمكن اللبنانيون من إبراز قدرتهم على إحداث التغيير الذي طالبوا به منذ ثورة تشرين، فكانت نتائج الانتخابات، أمراً طبيعياً لم يفاجئ أحداً، في وقت يتوقع أن تترك تداعيات هذا الاستحقاق بثقلها على تركيبة البرلمان الجديد، وعلى ما ينتظر لبنان من استحقاقات داهمة، في حين أن العنوان الأهم يتلخص باستمرار الدعم العربي والدولي للبنان، مواكبة لهذا التغيير النوعي في التركيبة النيابية الجديدة».