IMLebanon

برلمان 2022 لن ينتخب رئيساً!

 

لا جديد تحت سماء الاستحقاق الرئاسي. يبدو أنّه معلّق بين محاولات جان- إيف لودريان «المدنية»، وبين ضغوط آموس هوكشتاين «الجزائية». وبينهما «داخت» اللجنة الخماسية في متاهة تعقيدات المشهد اللبناني، بخلافاته، واعتبارات القوى السياسية الضيقة، وارتباطات بعضها الخارجية.

 

فعلياً، يقبع الاستحقاق في بقعة مظلمة لا ضوء من حولها، يجعله غير مرصود على رادار الاهتمامات الدولية، فتصير مساحة وفعالية الأعمال الحربية التي يشهدها الجنوب أهم بكثير من أي سؤال يتناول مصير رئاسة الجمهورية، ومن خلفها الجمهورية برمّتها. حتى أنّ هناك من يعتقد أنّ الدولة المُسيّرة بسلطة حكومة مبتورة ومجلس نواب مصاب بالتقاعد المبكر، لا يلتئم إلا عند المحطات المفصلية، لا تزعج في اهترائها، كُثُراً. وهناك من يجد في وهنها وضعفها ما يرضي حاجته ويكفيها. ولا داعي بالتالي لمجهود إضافي أو لأي تنازل مطلوب لإتمام الاستحقاق وإنجازه. صحيح أنّ هناك محاولات غربية على طريقة «المناشدات» لفصل الرئاسة عن مآل الوضع في الجنوب وفي الإقليم، وصحيح أيضاً أنّ «حزب الله» لاقاها بإشارات إيجابية تبرّئه من تهمة ربط الداخل بالخارج، ولكن هذا التقاطع النظري لم يُترجم على الأرض، وبقي الأمر ضمن إطار التمنيات لا أكثر. حتى أنّ سفراء اللجنة الخماسية كادوا يغرقون في الوحول اللبنانية، بعدما أربك التنافس بين مكوناتها على لعب الدور الأول، وكاد يعطّل دور المجموعة، فتمّت الاستعاضة عن الحركة الموسعة التي كان يعدّ لها السفير السعودي وليد البخاري بلقاء يتيم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري حفاظاً على ماء الوجه. وهنا تشاطر الرئيس بري في تحوير الوقائع من خلال الترويج لفكرة أنّ عدم انخراط الخماسية في لعبة الأسماء، يعادل في خلاصته غير ممانعتهم لأي ترشيح، بمعنى القبول بترشيح رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية، فيما الحقيقة مغايرة كلياً لهذا الوضع. لأنّ لا التطورات الإقليمية ساهمت في تعديل حيثية القطب الزغرتاوي الترشيحية بدليل أنّ «حزب الله» سارع إلى نسف أي كلام عن مقايضة قد يجريها لكسب الرئاسة، ولا الخارج وتحديداً الولايات المتحدة بصدد الدخول في بازار العرض والشراء في ما خصّ الرئاسة اللبنانية، أقله إلى الآن، ولا السعودية أجرت تنقيحاً لدفتر شروطها الرئاسية، ولا الخارطة اللبنانية طرأ عليها أي عامل متغيّر. حتى أنّ الرهان على انقلاب ينفذه وليد جنبلاط في موقفه، ليس في محله، خصوصاً وأنّ إعلانه عدم رفضه تأييد فرنجية، لم يمرّ مرور الكرام، وسريعاً ما أتته الملاحظات النقدية.

 

بالنتيجة، وحده الاجتماع المرتقب للجنة الخماسية على مستوى المستشارين، هو الإضافة الجديدة التي قد تنضم إلى مسلسل حلقات الاستحقاق الرئاسي، الممل. ويفترض أن ينعقد هذا الشهر على مستوى المستشارين بمشاركة سفراء الدول الخمس، أي الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، السعودية، مصر وقطر. ويرجح انعقاده في الرياض.

 

لكن جغرافية الاجتماع لا تعني أبداً أنّ ثمة متغيّراً ما طرأ على موقف المملكة السعودية حيال الملف الرئاسي أو حتى اللبناني برمته. لا تزال الرياض على موقفها: في العلن لا فيتو على أي مرشح، وفي العمق شروطها معروفة، وكذلك مواصفاتها. أمّا غير ذلك، فليتحمّل اللبنانيون مسؤولية خياراتهم. وما الحملة التي يخوضها ما تبقى من «تيار المستقبل» استعداداً لعودة سعد الحريري، الموقتة، من خلال التلميح إلى مقاربة سعودية جديدة، إلّا محاولات عبثية من «أيتام سعد» لإحياء الماضي، ولا تندرج إلّا في خانة «عدّة الشغل التعبوي» التي لا تبدّل في الوقائع. كلّ ما في الأمر هو أنّ الجهد سينصب على إعادة تحريك الملف الرئاسي، في محاولة جديدة لا تختلف عن تلك التي سبقتها بأي معطى متغيّر، إلا حالة الاهتراء الداخلية والتي لا تهزّ جفن أيّ من الدول أو القوى اللبنانية… ولو أنّ هناك من يعتقد أنّ التلويح من جديد بالعقوبات الأميركية قد يفيد.

 

حتى أنّ الزيارة التي قام بها كلّ من ملحم رياشي ووائل أبو فاعور إلى الرياض، تندرج في إطار اللقاءات الدورية التي يعقدها الوزيران السابقان (كل ثلاثة أو أربعة أشهر)، وهما لبّيا الدعوة ككل مرة من باب التشاور وتبادل الآراء.

 

بالخلاصة، لا مؤشرات توحي بأنّ الاستحقاق سيُطلق قريباً من سجنه. ولا مؤشرات أيضاً تشي بأنّ أياً من القوى الفاعلة محلياً أو دولياً مستعجلة أو كثيرة الاهتمام بمعالجة هذا الملف. ولذا تزداد التكهنات بأنّ المجلس النيابي الحالي لن يُمنح امتياز صناعة الرئيس المقبل، ليس من باب التعويل على كسر التوازنات في البرلمان المقبل، ولكن من باب التعويل على كسر الهيكل للبحث كُرهاً عن نظام جديد يعيد انتاج كلّ المؤسسات بما فيها الرئاسة.