انطلقت المفاوضات الرسمية بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي عبر تقنية “الفيديو كول” بسبب اجراءات الحظر التي يفرضها الفيروس التاجي على العالم. مشوار طويل قد يستمر أكثر من شهرين قبل أن يلمس لبنان حقيقة موقف صندوق النقد من طلبه المرفوع على أساس خطة مالية أقرتها الحكومة اللبنانية، قابلة للتعديل وفق شروط صندوق النقد.
قررت الحكومة التقدم خطوة للأمام من خلال إقران طلبها بخطة مالية عملت عليها لأسابيع طوال، وذلك لكي توفر على حالها عناء وصفة جاهزة قد يعمد الصندوق إلى فرضها لكي يقبل بمدّ يد العون للدولة المتعثرة. نظرياً، يفترض أنّ هذه الخطة هي نتاج نقاشات مشتركة بين مختلف القوى السياسية المكوّنة للحكومة، سواء من خلال بعض الوزراء المتخصصين بالشأن المالي أو من خلال المستشارين.
ولكن عملياً، قد لا تجد الخطة من يتبناها للدفاع عنها حين ستصل الى أعتاب البرلمان على شكل اقتراحات قوانين. هناك، تستعد القوى السياسية على اختلاف انتماءاتها لتشريح تلك الوثيقة طالما أنّ هناك حاجة إلى تقريشها الى قوانين، فإما تستطيع الحكومة اقناع أغلبية نيابية بصحة هذه المشاريع وإما ستضطر إلى التعامل مع واقع تعديلها.
خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء ذكّر رئيس الحكومة حسان دياب “وحدات الدولة، ومن بينها مصرف لبنان، بأنها جزء من الحكومة، وعليها أن تعمل على إنجاح الخطة لتخفيف الأعباء عن المواطنين”، وكأنه يقول إنّ مصرف لبنان غير موافق على الخطة، رغم أنّ ممثل “المركزي” في عداد الوفد المفاوض مع صندوق النقد.
كما ذكّر “الكتل النيابية الداعمة للحكومة بضرورة الدفاع في هذه المسألة الأساسية، ذلك أن الموقف الموحد أساسي جداً للتوصل إلى برنامج مقبول مع صندوق النقد الدولي، وعدم تسبب الانقسامات في صفوفنا بزيادة الأعباء والشروط على كاهل اللبنانيين” وهي الرسالة الثانية التي يوجهها للمعنيين بالخطة، أي مجلس النواب كونه يدرك تماماً أنّ مكونات البرلمان لن توفر الخطة من انتقاداتها وتعديلاتها. ولهذا قال بصريح العبارة إنّه “لا يجوز أن يصوّت البعض على الخطة ثم يتكلم ضدها، حاجزاً لنفسه مكاناً مع الخطة إن نجحت، ومع أعدائها إن فشلت”، وهو يقصد بذلك الضفة الحليفة من مكونات البرلمان، التي شاركت في صياغة الخطة، فيما ستتحول إلى الضفة المعارضة حين ستطرح الورقة على مشرحة البرلمان.
وفق بعض النواب المتابعين للشأن المالي، لن تمرّ ورقة الحكومة على مجلس النواب مرور الكرام، بدليل أنّ جلسة القراءة التي شهدتها لجنة المال والموازنة كانت بروفا أولية عما ينتظر الخطة. يقول هؤلاء إنّ كل القوى السياسية تستعد لتلك اللحظة، سواء من قوى الثامن من آذار أو من الفريق الآخر. لكل منهم ملاحظاته التي سيقرشها تعديلات جوهرية ستطال الاقتراحات التي ستصل الى البرلمان. ويشيرون إلى أنّ أكثر الاقتراحات عرضة للتعديل هو المتصل بأموال المودعين. يقولون إنّ القوى الحليفة للحكومة بمن فيها “التيار الوطني الحر”، و”حزب الله” ولو بلهجة أقل حدة من حلفائه، وحركة “أمل” لن يقبلوا بالمسّ بأموال المودعين وسيطالبون الحكومة بإيجاد مصادر بديلة لتمويل الودائع التي تبخرت، سواء من خلال خصخصة بعض القطاعات أو توسيع قاعدة الشراكة مع القطاع الخاص أو استثمار بعض عقارات الدولة أو الاستدانة من البنك الدولي.
أما المسألة الثانية والتي ستكون موضع نقاش جدي في البرلمان فهي المتصلة بالقطاع المصرفي حيث تعاني الخطة الحكومية من تناقض فاضح جراء دعوتها إلى اعادة رسملة المصارف ودمجها من جهة والعمل على اصدار تراخيص من جهة أخرى.
يشير نائب مؤيد للحكومة إلى أن الخطة تتضمن توجهات اقتصادية لا يمكن القبول بها لأنها تضرب جوهر النظام الاقتصادي، حتى لو شارك بعض ممثلي القوى السياسية الداعمة للحكومة في النقاشات الاعدادية. اذ لا يمكن للحكومة أن تشطب خسائرها بشحطة قلم وتحمّل المودعين هذا العجز، لا بدّ من اعادة النظر في كيفية توزيع الخسائر وتكوين فائض جديد لتوزيع جديد أكثر عدالة على أن تتحمل الدولة التي سببت الفجوة المالية، الجزء الأكبر من الكلفة. أما من جهة رئاسة الحكومة، فتعيد مصادر رئيس الحكومة التأكيد أنّ الخطة ليست جامدة وهي مشروع نقاش عام وبالتالي هي منفتحة على أي تعديلات تستطيع أن تقدم بدائل لما تطرحه الحكومة.