وصول الرئيس سعد الحريري المفاجئ لحضور الجلسة التشريعية التي عقدتها الهيئة العامة لمجلس النواب في قصر الاونيسكو، حمل رسائل عدّة، وكان مؤشراً الى حتمية اشتداد حدّتها، وهذا ما حصل. فسجّلت «كتلة المستقبل» نقاطاً سياسية صباحاً، بإقرار قانون آلية جديدة للتعيينات، لكن الحريري انسحب مساءً بعد عرقلة إقرار قانون العفو وفشل مساعي رئيس المجلس نبيه بري في تمريره بمادة وحيدة .
الجلسة التشريعية، ناقشت 11 اقتراح قانون من اصل 37، ابرزها العفو العام، السرّية المصرفية، وآلية التعيين في الحكومة. والاقتراح الاخير سرق الضوء في الجلسة الصباحية، بعدما اخذ حيّزاً سياسياً مهماً، إثر التصويت عليه، وسط اعتراض «التيار الوطني الحر»، الذي سجّل امتعاضه، معتبراً أنّ القانون مخالف للدستور، فانتقلت صباحاً السجالات والنقاشات والتصريحات من قانون العفو العام، الذي كان نجم الجلسة التشريعية برّمتها وسبب انعقادها، والذي كان حاضراً في مجمل المناقشات الصباحية والمسائية منذ اسابيع، الى معركة آلية التعيينات، بعد إقرار القانون الجديد واعتباره سبقاً إصلاحياً مهماً. فيما اشادت قوى اساسية بالنصر الذي تحقق، بعد إقرار هذا المشروع، ابرزها «المستقبل» و»القوات اللبنانية»، في وقت لوّح «التيار الوطني الحر» بالإتجاه نحو الطعن بالقانون، معتبراً انّه مخالف للدستور.
وكانت الجلسة الصباحية قد اقرّت مشروع فتح اعتماد في الموازنة بقيمة 1200 مليار ليرة، مخصّصة لمعالجة تداعيات كورونا والوضع الاقتصادي في العديد من القطاعات. وهو مشروع قانون مقدّم من الحكومة، إلّا انّ بعض الكتل طالبت بتعديله ليُضاف عليه مبلغ 300 مليار، لدعم المؤسسات التربوية وتحديداً المدارس الخاصة، إلّا انّ رئيس الحكومة اعترض، متعهّداً العودة بمشروع آخر يُخصّص فيه الاموال لدعم المدارس الرسمية والخاصة. وهنا تفاوت النقاش بين تحديد المبلغ المطلوب بين 300 مليار فيما البعض طالب بـ 500 مليار.
الأهم في الجلسة الصباحية
اهم ما أُقرّ في الجلسة الصباحية هو اقتراح القانون الذي يتعلق بآلية التعيينات الفئة الأولى فأُقرّت واصبحت قانوناً، والآلية الجديدة تقضي بتشكيل لجنة من الوزير المختص، اي وزير التنمية الادارية، ومن مجلس الخدمة المدنية، وتدرس هذه اللجنة الوظائف في الفئة الاولى او في المراكز العليا للدولة، وتشمل ايضاً رؤساء الهيئات الرقابية، فتختار هذه اللجنة ثلاثة من هؤلاء وترسل اسماء الناجحين الى مجلس الوزراء ولا يعود الحق للوزير بإضافة اي اسم على الاسماء الثلاثة المقترحة من اللجنة، كما اعتمدت الآلية السابقة، وبالتالي يكون مجلس الوزراء مجبراً ان يختار اسماً من بين الاسماء الثلاثة دون تدخّل الوزير المختص، علماً أنّ رئيس الجمهورية كان اعتبر انّ أي آلية تسحب من الوزير صلاحياته في اقتراح او انتقاء الاسماء تكون مخالفة للدستور، ولذلك سجّل «التيار الوطني الحر» وتحديداً الوزير باسيل، اعتراضه وبشدّة على اقرار هذا القانون.
القانون الذي أُقرّ والذي كان نجم الجلسة الصباحية اعتبرته اقطاب سياسية بارزة نصراً، فيما قرّرت أقطاب اخرى الطعن به فور نشره في الجريدة الرسمية. وبحسب مصادر التيار، انّه لن يُوقّع من قِبل رئيس الجمهورية بل سيعيده الى المجلس، وهو الامر الذي تخوّف منه وصرّح به علانية الرئيس الحريري مباشرة بعد التصويت على القانون خارج القاعة، محيّياً «القوات اللبنانية» ومن خلفها «جورج»( عدوان) بعدما حيّاه بالاسم على تقديم هذا الاقتراح.
بدوره عدوان ردّ بالشكر الى الحريري دون ان يسمّيه، كما شكر جميع الكتل التي صوّتت على اقرار هذا المشروع، معتبراً انّ القانون استغرق معارك عمل في اللجان «بعد ان كانت آلية التعيينات الحالية إحدى اهم المشكلات التي ادّت الى الوضع المأساوي الذي نعيشه»، بعدما كانت التعيينات تدار استناداً الى الاستتباع والمحسوبية وعدم الكفاءة، معلقاً: «بعد معركة استطعنا اقرار آلية تعيينات تتمّ وفقاً للكفاءة، وهي خطوة اصلاحية مهمة»، شاكراً النواب المستقلين، الذين اقرّ عدوان انّه بفضلهم أيضاً استطاع اقرار هذه الآلية الشفافة للتعيينات.
مجريات الجلسة
لم يُقرّ البند الاول في جدول الاعمال، الذي طلب الموافقة على انضمام لبنان الى المنظمة الدولية للهجرة، بعدما اعتبر النواب انّ دستور هذه المنظمة يسهّل الاندماج والتوطين، الامر الذي لا يناسب لبنان. فسقط الاقتراح.
كذلك أُقرّ البند المتعلق بالقرض المقدّم من الصندوق العربي للانماء من دولة الكويت، والذي تبلغ قيمته 50 مليون دينار، اي ما يعادل 180 مليون دولار والمقدّم لمصرف الاسكان، ولكن بسبب سعر صرف الليرة، الذي تبدّل، كان اقتراح بعض النواب انّ هذا الامر يتطلّب أولاً اجابات من مصرف لبنان على اي اساس سيحتسب الدولار للاقتراض بموجب هذا القرض. وبعد المناقشة صباحاً تمّ اقراره مساءً. كما تمّ إحالة قانون «الكابيتال كونترول» الى اللجان للمزيد من الدرس والمناقشة.
إقرار السرّية المصرفية
الانتصار الذي سجّله التيار في نهاية الجلسة الصباحية كان اقرار رفع السرية المصرفية، بعدما لاقى موافقة الاكثرية، مع تسجيل قلق من قبل الكتائب وتحديداً النائب سامي الجميل، الذي تخوف من أن يخفي اقرار هذا القانون كيدية سياسية وللانتقام عند تطبيقه. فيما اعتبر النائب ابراهيم كنعان انّ الانتصار في اقرار هذا القانون هو للبنان لا لطرف سياسي، وهو من أهم الخطوات التي اتخذها المجلس النيابي في جلسة أمس.
الجلسة المسائية والمعركة الأخيرة
انعكست اجواء الصباح على الجلسة المسائية، بخاصة من قبل «التيار الوطني الحر» الذي حضر مستنفراً وبدا رافضاً لإقرار قانون العفو. كذلك كتلة «القوات اللبنانية» وكتلة الوفاء للمقاومة، كل من وجهة نظره، رغم انّ القانون استغرق مناقشات عدّة واكتنفه غموض حتى اللحظات الاخيرة من مساء امس، فاستدعى مناقشات ثنائية وثلاثية وجانبية بين مختلف الكتل، ابرزها الاجتماع الثنائي الذي تمّ صباحاً بين الرئيسين بري والحريري في جلسة استمرت 10 دقائق.
وبعد اقرار القانون المتعلق بهدر الغذاء، بدأت معركة اقرار قانون العفو.
وعند بدء المناقشة به، استدرك الرئيس بري الأمر وبادر بالقول: «ما حدا يقول آه ولا حدا يعن، وحدة البلد تتجسّد في هذا المجلس. قاتلنا اسرائيل منذ ما قبل عام 2006 وبموضوع من هالنوع ما رح نحسم».
في وقت كان نواب «اللقاء التشاوري» أجمعوا على التصويت ضد المادة 8 من اقتراح قانون العفو، فيما أكّد عقيص انّ كتلة القوات اللبنانية ما زالت على موقفها الرافض لقانون العفو لأسباب موضوعية وقانونية، وانّه علينا التنبّه لأثر هذا القانون على العجلة القضائية.
وفي موازاة الحديث عن عودة المبعدين برز قول بري: «القول جميعاً من المدرسة نفسها، وأحد اهم اساليب المقاومة الوطنية هي الوحدة الوطنية «اوعا تنسوها بحياتكن، نحن واخواننا في الحزب وكل من وقف ضد اسرائيل عام 2006»، مقترحاً التصويت على القانون بمادة وحيدة لتلقين درس لكل الناس بأننا قادرون على اتخاذ موقف.
وهنا اخذ الوزير باسيل الكلام فقال، «ان موقفنا المبدئي ضد فكرة العفو عن المجرمين، لأنّ فيه اساءة للاخلاق وللوطن، وتمّ التدخّل معنا لنقبل بالنقاش ولكننا لم نتوصل الى اي اتفاق، ولا سيما في موضوع خفض العقوبات ضد المجرمين، ولكننا ضد القانون بصيغته الحالية، واذا كان التصويت ضده ممنوعاً فنحن مستعدون للمغادرة». وهنا ردّ عليه الرئيس بري بالقول «الكلمة الاخيرة ما بدّي اسمعها».
وبعد النقاش مع باسيل قرّر الرئيس بري رفع الجلسة 10 دقائق للتشاور في اقتراح قانون العفو.
خلوة العشر دقائق
في الخلوة السرّية جرت مشاورات مكثفة بين الرئيس بري، الفرزلي، الحريري، باسيل، كنعان، علي حسن خليل، عدوان، هادي حبيش، وميشال معوض، اي جميع من شارك في «طبخة» العفو، ليعود بري الى القاعة والقول: «خلينا نوضع قانون العفو هلق جانباً بركي بتنزل الرحمة بعد شوي».
الّا انّ الحريري انسحب من القاعة مصرّحاً انّ الرئيس بري حاول تمرير القانون كما هو، الّا أن هناك من افشل القانون. وعند السؤال من تتهم، قال متهكماً: «اتهم «الحريرية السياسية». ومع انسحاب الحريري توقف النقاش حول القانون وحاول النواب استكمال مناقشة البنود المتبقية على جدول الاعمال.
الاّ انّ بري رفع الجلسة بعدما انسحبت منها كتلة المستقبل، فيما علّق النائب علي حسن خليل على رفع الجلسة بالقول، انّ الرئيس بري وانطلاقاً من حرصه على الوحدة الوطنية قارب موضوع العفو العام وحاول الخروج بموقف وطني موحّد، فحاول في العلن وفي الخفاء، الّا انّه لم يفلح بعدما وعدنا اهلنا به… الّا انّ الحواجز عكست جواً انقسامياً في البلد، وأخذت اللحظات الاخيرة منحى آخر…مضيفاً: «لكننا في المقابل لا ننكر اننا تمكنا من انجاز عدد مهم من القوانين الاصلاحية واهمها السرّية المصرفية وآلية التعيينات». فيما صرّح بعض النواب خارج القاعة انّ قانون العفو لم يسقط انما استُبعد.
معوض القانون يستوجب إجماعاً
الايجابية برأي معوض، انّ القانون يجب ان يحصل بجو من الاجماع لكي يكون فرصة للتوحيد، من دون تصنيف الحالات على الهوى السياسي وحصر القانون على المستحقين… فيما صوّر معوض موقف الرئيس بري، بأنّه لعب دور «حارس الوحدة الوطنية « في مقاربة قانون العفو.
واللافت، إشارة عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض، إلى أنّ رفع الجلسة قبل الإنتهاء من مناقشة وإقرار الجزء الثاني والاساسي منها، تسبّب في ترحيل اقتراحات قوانين أساسية تتعلّق بمصالح الناس في خضمّ هذه الأزمة، آملاً في ضرورة الإسراع في فتح دورة إستثنائية للمجلس، باعتبار أنّ جلسة الأمس تُعتبر الجلسة الأخيرة في العقد الأول لمجلس النواب.