جاء زمن «أمرك سيّد» بعد زمن «أمرك سيدي». سنشاهد اليوم آخر نماذج هذا الزمن في ساحة النجمة. إذ سيكون على كتف كل برلماني، بدءاً من الرئيس إلى العضو، ملاك «السيّد». فإذا ما نوديَ إلى التصويت على اقتراح قانون التمديد لولاية المجالس البلدية والاختيارية، ستجد من يقف على أكتافهم «السيد»، يسارعون إلى اعلان موافقتهم على الاقتراح.
في المقابل، سيفوت على جماعة المعارضة هذا المشهد نتيجة مقاطعتهم الجلسة. من أفضل النماذج على الاطلاق التي تشرح فضائل الانسجام مع زمن «أمرك سيد» ثلاثة وكأنها واحد. الأول، هو الرئيس نبيه بري الذي يستحق عن جدارة لقب «الأستاذ» أو تحبباً «الإستيذ». واذا كان من وظائف من يحمل هذا اللقب تعليم التلامذة، فإن بري هو العبقري في تعليم أصول ممارسة طقوس الخضوع لـ»الإمرة». وبرهن بري الذي أمضى بلا توقف على مدى 32 عاماً رئيساً للبرلمان، أنّه خير من أعطيَ القوس لباريها. ولو تمت مراجعة هذه الأعوام المديدة التي لم يحظ بها مسؤول من قبله منذ أجدادنا الفينيقيين، لوجدت «النبيه» أنّه أبرع من أقنع «السيد» أنّه الحليف الذي لم تلده أمه. حتى في هذه الأيام التي يكاد أن يضيع فيه الجنوب ومعه لبنان يهتف بري «لبيك سيد» كي لا يزعج خاطر الأخير. ولهذا برهن رئيس حركة «أمل» أنّه لن يخطئ، فيقول لا سمح الله: «أبعد يا «سيد» سلاحك عن الجنوب، كي يبقى لنا الجنوب».
هذا قليل من كثير الذي يُروى عن رئيس المجلس. أما النموذج الثاني، الذي لم يَجُد نادي رؤساء الحكومات بمثله فهو الرئيس نجيب ميقاتي. وكل ما ورد حول «النبيه» ينطبق على «النجيب»، وكأنهما توأم سيامي برأسَين وجسد واحد. وكم يود ميقاتي أن يهتف مع الهاتفين في جلسة مجلس النواب اليوم تأييداً لاقتراح التمديد. لكن «العين بصيرة» لأنه لم يعد نائباً في البرلمان الحالي. وعلى الرغم من ذلك، فـ»اليد ليست قصيرة» في عدد لا يحصى من المناسبات التي يعوّض فيها «النجيب» عن هذا النقص. ومن هذه المناسبات، لقاؤه الأخير مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. واستطاع ميقاتي اقناع مضيفه في قصر الاليزيه باستبدال كلمة «انسحاب» بعبارة «إعادة تموضع». ولمن فاته تفاصيل هذا «الإنجاز» يمكن العودة إلى محاضر هذا اللقاء، فيتبين له أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال شعر، وكأنه كمن لسعه ثعبان، عندما قرأ في الورقة الفرنسية أنّ كلمة «انسحاب» تعني تحديداً قوات «الحزب» جنوب الليطاني. فسارع «النجيب» إلى تلطيف الكلمة بعبارة «إعادة تموضع».
آخر النماذج الذي لم ينجب الزمان مثله، هو رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل. فهذا النموذج الذي لديه مستقبل باهر يبتز فيه «النبيه» و»النجيب» معاً، سيبرهن اليوم في ساحة النجمة أنّه سيد من اتقن الاقتراب من «السيد» عندما تعتقد ان لا تلاقيَ بينهما. وكم سيشعر الأخير بالسعادة عندما يرى الوئام قد خيم على البرلمان بفضل وريث شريكه في «تفاهم مار مخايل».
وفي حدود المتاح من الكلام في هذا المجال، السؤال هو: وما دخل «السيد» في جلسة مجلس النواب اليوم؟ الجواب: «في مرحلة المشاغلة، رجاء لا تشغلونا بأمر آخر».