يمثل التئام البرلمان الأسبوع المقبل في جلسة تشريعية، للمرة الأولى هذه السنة، امتحاناً محرجاً للأفرقاء المعنيين، سواء حضروا أو غابوا. هو أيضاً اختبار ميثاقية تتحوّل تدريجاً عبئاً ثقيلاً على المؤسسات والحكم
ما تعذّر في العقد العادي الأول لمجلس النواب بين آذار وأيار، ثم حيل دون عقد استثنائي بين حزيران وتشرين الأول، يبدو متاحاً في العقد العادي الثاني، من غير أن يكون بالضرورة فاتحة التئام جلسات عامة متتالية في ما تبقى منه حتى نهاية 2015. في الغالب قد تكون جلسة مجلس النواب الأسبوع المقبل وحيدة.
يكمن اختبار الجلسة المقبلة في كونه ينشئ تفسيراً ملحقاً للميثاقية لا يخلّ بالقاعدة الأم، إلا أنه يجعلها أكثر مرونة وطواعية في تبرير التئام البرلمان للتشريع. فيما هو واقع تحت كابوس إخفاقه في انتخاب رئيس للجمهورية، بات في إمكان المجلس فصل الاستحقاقين أحدهما عن الآخر، وتالياً توقّع حضور ما يزيد على ثلثي النواب ــ النصاب المطلوب لانعقاده لانتخاب الرئيس ــ للمصادقة على بنود جدول الأعمال.
خلافاً لما مرّ به رئيس المجلس نبيه بري في العقد العادي الأول، عندما علّق توجيه الدعوة إلى جلسة عامة على حصوله سلفاً على موافقة الأطراف المسيحيين على الحضور، رغم إنجاز هيئة مكتب المجلس جدول أعمال الجلسة المفترضة تلك، سارع هذه المرة إلى تحديد موعد الجلسة رغم معرفته باحتمال مقاطعة الكتل المسيحية الرئيسية الثلاث إياها.
بل ذهب إلى أبعد من توجيه الدعوة، بالإصرار على عقد الجلسة في موعدها، وعلى جدول الأعمال بلا تعديل، بعدما تبلغ من تيار المستقبل رسمياً مشاركته فيها في معزل عن حليفه حزب القوات اللبنانية. وقد تعبّر عن حماسة تيار المستقبل في المشاركة، مكالمة هاتفية أجراها النائب أحمد فتفت ببري أخطره أن تغيّبه عن الجلسة سيكون «لعذر خاص فقط»، لا يمت بصلة إلى انعقادها، ولا حتماً إلى ما كان نائب الضنية أفصح عنه قبل أيام من أنه لن يحضر جلسة عامة يغيب عنها مكوّن مسيحي رئيسي.
وسواء كانت ذريعة بري بنوداً ملحة لا تحتمل التأجيل أخصها شق القروض والاتفاقات الدولية، أو إصراره على إطلاق عمل السلطة الاشتراعية بعد طول تعطيل، إلا أنه منح مفهوم الميثاقية معنىً مرناً أقل تشدداً من ذي قبل لثلاث مرات على التوالي:
أولى، عام 2006 عندما عدّ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة فاقدة الشرعية الميثاقية بعد استقالة الوزراء الشيعة، وحال دون مثولها أمام مجلس النواب، ودون موافقته على تسلم مشاريع قوانين أقرتها في غيابهم.
فتفت لبري: غيابي لعذر خاص لا علاقة له بغياب مكوّن مسيحي رئيسي
ثانية، عام 2013 على إثر استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عندما امتنعت الغالبية النيابية السنّية عن المشاركة في جلسة عامة للمجلس في ظل حكومة تصريف أعمال، فاستجاب.
ثالثة، عام 2014 عندما ربط التئام جلسة البرلمان للتمديد الثاني له بحضور مكوّن مسيحي أساسي، فحضرت كتلة حزب القوات اللبنانية بينما غابت كتلتا التغيير والإصلاح وحزب الكتائب. وجد بري في حضور نواب القوات اللبنانية ما يملأ شغور الميثاقية. على أنه كرّس هذه الحجة في آذار المنصرم عندما رغب في عقد جلسة عامة، فجهرت الكتل المسيحية الرئيسية الثلاث بالتغيب وحالت دون توجيهه الدعوة إليها. فإذا رئيس المجلس يثبّت يومذاك فيتو مسيحياً في الميثاقية يتساوى مع المكونين السنّي والشيعي.
في المرة الثالثة عام 2014، ثم المحاولة الرابعة عام 2015، لم يكن من السهل، لمَن اطلع عن قرب على موقف رئيس المجلس، التحقق من مغزى إصراره على المكون الرئيسي، وقد ألح وقتذاك ــ كما الآن ــ على استخدام كلمة «المكوّن» لا «الفريق» في تحديد مفهومه للميثاقية. لم يقلل في ذلك الحين من التمثيل الشعبي للنواب المسيحيين المنتمين إلى كتل غير مسيحية في أساسها أو رجّح فوزهم اقتراع غير مسيحي، شأن نواب مسيحيين في كتلته كما في كتلتي النائب وليد جنبلاط وتيار المستقبل. بيد أن بري نظر إلى المكون المسيحي الرئيسي على أنه ممثل قاعدته الشعبية المباشرة ــ ربما الخالصة إلى حد كبير ــ شأن ما تعنيه كتل التغيير والإصلاح وحزبي القوات اللبنانية والكتائب التي تجمع نصف النواب المسيحيين.
في ذلك فحوى ما عناه بري في جلسة تشرين الثاني 2014 عندما قال إن نواب القوات اللبنانية يكفون لاشغال الميثاقية، رغم ان عددهم عشرة فقط، واكثر من ثلثيهم يدينون بانتخابهم لأصوات غير مسيحية تماماً. مع ذلك تملأ القاعدة الشعبية للحزب دوره وحضوره السياسي.
توطئة لجلسة الاسبوع المقبل، اختار بري هذه المرة الانحياز الى الشق الآخر من النواب المسيحيين الموزّعين على كتل واحزاب سوى الكتل المسيحية الثلاث المعاندة، وفي حسابه اولوية تعويم دور البرلمان وانعقاده واقرار البنود الملحة.