IMLebanon

الإصلاحات مرهونة بالإنتخابات النيابية والرئاسية

 

 

 

لولا الشكوك العميقة المبنية على التجارب السابقة الممتدة على أكثر من عقدين من الزمن، بإمكان تنفيذ السلطة اللبنانية ما تعهدت به من إصلاحات، لما كان صندوق النقد الدولي ربط صرف مبلغ الثلاثة مليارات التي نص عليها اتفاقه مع لبنان، بإقرار تلك الإصلاحات وفي طليعتها بنود خطة التعافي الاقتصادية التي عدد البيان عناصرها.

 

ما جرى ويجري على هذا الصعيد، في المجلس النيابي والحكومة، لا سيما بالنسبة إلى قانون الكابيتال كونترول من سلق واستعجال لبنوده، قبل إقرار خطة التعافي بهدف طمأنة المودعين إلى الإجراءات التي يمكن أن تضمن عودة الأموال لأصحابها، من تأجيل يعطي موقف الصندوق الدليل على صحة وجهة نظره بعدم تقديم أي دعم مالي لهذه السلطة السياسية التي تسببت بالكارثة التي غرق فيها لبنان. فالقانون والخطة يخضعان للمزايدات الشعبوية والتضليل المبرمج.

 

سواء كانت الإجراءات القاسية التي طالب بها الصندوق كشرط لصرف المساعدة المالية، مناسبة لمصالح اللبنانيين وتطلعاتهم أم لم تكن، من الطبيعي أن يخشى تكرار ما حصل في السابق. اليس لهذا السبب طالب في بيانه الصادر في 7 نيسان المسؤولين بمصارحة اللبنانيين «وإطلاعهم على الخطط الإصلاحية والتقدم في التواصل معهم وشرحها لهم». إلا أن ما حصل هو التعاطي مع الخطط على أنها مسألة تتعلق بالمختصين والاختصاصيين فقط، فبقيت كأنها مسألة من أسرار الدولة التي لا يجوز كشفها، في وقت سبق للأزمة أن مسّت حياتهم اليومية في كل المجالات، وستنعكس على عيشهم ونمط حياتهم وعاداتهم وأوضاعهم الاجتماعية لسنوات مقبلة.

 

مجرد التكتم واعتبار الكابيتال كونترول وخطة التعافي والأفكار المطروحة للاقتطاع من الودائع (التي جرى اقتطاع جزء كبير منها حتى الآن عبر تقييد سقوف السحوبات وربطها بأربعة مستويات لسعر الصرف) على أنها مسألة تقنية مثيرة للريبة، فتشدق البعض في الحديث عن الحفاظ على حقوق المودعين ولا سيما الصغار منهم، ليس الا مناورة لا تهدف إلا إلى طمأنة خاوية من أي مضمون للجمهور.

 

قول رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة إن المبالغ التي وُعد بها لبنان منذ أواخر التسعينات كمساعدات مالية مقابل الإصلاحات، تبلغ ما يقارب الـ33 مليار دولار، لم يصرف منها إلا النزر اليسير، نتيجة الاستعصاء اللبناني على الإصلاحات. في المحطات العديدة التي عُقدت فيها مؤتمرات دولية من أجل مساعدة لبنان كان المجتمع الدولي يسدد للبنان جزءاً من المبالغ التي كانت الدول تتعهد بها «كتشجيع» منه للسلطة من أجل تنفيذ الإصلاحات، لكن الذي كان يحصل أن السلطات المتعاقبة كانت تنفق هذا الجزء من دون أن تنفذ أي من الإصلاحات التي تكون قد تعهدت بتطبيقها في حينه، لأنها كانت تواصل الإنفاق الزبائني وعلى قاعدة تقاسم منافعه ومكاسب البقرة الحلوب للدولة، لتغذية مصالح فئوية وطائفية خارجية وشخصية، شكلت القاعدة المعروفة لتفشي الفساد وغياب الحوكمة والفساد. وهكذا دواليك.

 

على رغم أن الصندوق احتاط هذه المرة فوزع صرف مساعدة الثلاثة مليارات الموعودة على أربع سنوات، من أجل تقنين تزويد لبنان بها ليتناغم ذلك مع التقدم في تنفيذ الخطوات الإصلاحية، فإن من في يدهم الحل والربط في البلد لم يتمكنوا من إنجاز ولو خطوة واحدة كإقرار الموازنة أو الاتفاق على خطة التعافي التي طالت صياغتها. أليس لهذا السبب جاءت في بيان صندوق النقد عبارة تمت صياغتها عن قصد تشير إلى «التزام السلطات اللبنانية القوي بمواصلة تطبيق الإصلاحات خلال الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة»؟ والمقصود بها على الأرجح قبل وبعد هذين الاستحقاقين. وإذا كان على قارئ البيان أن يفهم المقصود في متنه وبين سطوره، فإن الصندوق، العارف بتفاصيل التركيبة السياسية اللبنانية التي حالت دون ضبط التدهور الذي انزلق إليه لبنان، يتوقع من الاستحقاقين الانتخابيين اللذين ذكرهما تغييراً في السلطة ونوعية الحكام الذين سيرعون خطة التعافي، لأنه توصل إلى قناعة بأن من هم في السلطة راهناً ليسوا قادرين على إخراج البلد من محنته. التفسير الأكثر وضوحاً لبيان صندوق النقد عند بعض الخبراء الغربيين والعرب الذين يعرفون تركيبة البلد السياسية فعلقوا على الإجراءات التي تضمنها الاتفاق الأولي مع لبنان بالقول إنه «من المستحيل» أن ينفذ الحكام الحاليون الإصلاحات التي نص عليها. وربما كان مطلوباً صيغة أخرى لإنقاذ الوضع الاقتصادي المالي. فالتغيير في السلطة لن يأتي خلال الانتخابات النيابية المقبلة، بل على مراحل، الاستحقاق الرئاسي إحداها، والذي يجب أن تليه محطات أخرى!