ليس أكثر من الأحلام سوى الكوابيس على الطريق الى الإنتخابات النيابية والرئاسية، فوق كابوس اللاإنتخابات والشغور الرئاسي. ولا أخطر من أن تكون أحلام التغيير نحو الأفضل عند الناس كوابيس عند الحالمين بالمزيد من الهيمنة سوى أن تصدمنا الوقائع بكون الخيار في لبنان صار بين السيئ والأسوأ والأقل سوءاً. فما نحلم به هو ما يجب أن نصنعه بأنفسنا، وإلا بقي قصوراً في الرمال. وما نخشى من الوقوع في المزيد منه هو ما وقعنا فيه بظروف لعبة أكبر منا وتخطيط لاعبين صنعوا قوتهم بضعفنا. وأقل ما على طريق الإنتخابات خمس حقائق قاسية في بلد منكوب، ليس فقط بكارثة مالية إقتصادية بل أيضاً بكارثة سياسية هي الأساس.
الحقيقة الأولى هي أن أمراء الطوائف-الأحزاب يتصرف كل منهم على أساس أنه أهم من طائفته وحزبه، وأن حزبه أهم من طائفته، وطائفته أهم من لبنان.
الثانية هي أن تصويت الطوائف والمذاهب والقبائل والعائلات على طريقة “بلوكات” كاملة أو شبه كاملة يجعل الديمقراطية في لبنان نوعاً من ديمقراطية الديكتاتوريات المتجاورة والأحاديات التي لا تصنع تعددية. أليس ما يجاهر “الثنائي الشيعي” بالإصرار عليه هو العمل بكل الوسائل لمنع أي طرف خارجه من الفوز بمقعد واحد من بين المقاعد المخصصة للطائفة الشيعية؟ أليس في طوائف أخرى من لديه مثل هذا الطموح؟
والثالثة هي أن قانون الصوت التفضيلي بالشكل الذي هو عليه خلق ظاهرة “الأكروبات الإنتخابي”. أكروبات يلعب على كل الحبال لكي يضمن موقعاً في لائحة. يتحالف مع الذين يخاصمهم بحجة أن التحالف إنتخابي لا سياسي ينتهي بعد فتح الصناديق. والأخطر هو أن الحرب الضارية تدور بين أعضاء اللائحة الواحدة الى جانب المعركة بين اللوائح.
والرابعة هي أن ما يتحكم بالسياسة وإنتخاب رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي وترشيح رئيس الحكومة المكلف وتأليف الحكومات، ليس الدستور اللبناني بل نوع من “القانون الإيراني”. فالغلبة في العراق كما في لبنان للسلاح، على الأكثرية التي تخرج من الصناديق. والفصائل المسلحة المرتبطة بولاية الفقيه تحكم البلد إذا فازت بالأكثرية وتتحكم به إذا كانت تملك “الثلث المعطل” الذي أوقف إنتخاب رئيس للجمهورية، وتأليف حكومة في بغداد بعد خمسة أشهر على الإنتخابات النيابية. والمعادلة هي إما ممارسة “الفرض” وإما ممارسة “الرفض”. إما الحصول على ما تريد، وإما تعطيل اللعبة حتى الحصول على بعض ما تريد.
والخامسة أن لبنان يتجه بعد الإنتخابات، في أحسن الأحوال، الى تنظيم الصراع بين محورين بأكثر مما هو في الطريق الى تسوية للأزمة. فماذا يفعل “تدوير الزوايا” أمام تنجير الخوازيق؟ وأين كل ما يفعله اللاعبون المحليون بالإنتخابات وسواها من اللعبة الإقليمية والدولية الكبيرة التي تؤثر على لبنان وفيه؟
الحق أقوى من الحقيقة. ويقول الإمام علي: “لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه”.