غموض كبير وإرباكات على مسافة يوم واحد من استشارات بعبدا
ما زال الغموض الكبير يكتنف المسار الذي ستنتهي اليه الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا يوم الخميس حول الشخصية السياسية التي ستكلف خوض غمار تأليف الحكومة الجديدة، وسط ارتباك واضح داخل الكتل النيابية حول الخيارات التي يمكن اتخاذها بهذا الصدد، ولا سيما أن المناخات الموجودة توحي لا بل تؤكد ان اصوات النواب في القصر الجمهوري ستتقاسمها اكثر من شخصية كون ان الرئيس نجيب ميقاتي لن يكون المرشح الوحيد وإن كان، على ما يبدو، الأوفر حظاً بإعادة تكليفه. وإن كنّا على مسافة يوم من انطلاق الاستشارات غير ان مسار الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال ما زال يتقدم السباق على مسار الحل والوصول إلى توليفة حكومية تكمل ما تبقى من اشهر قليلة تفصلنا عن الاستحقاق الرئاسي في الخريف المقبل.
وحيال هذا المشهد غير واضح المعالم حتى الساعة تنشط المشاورات بين القوى السياسية وهي ستستمر حتى ربع الساعة الأخير الذي يسبق شروع الرئيس عون في الاستشارات بغية تأمين الممر الآمن لهذا الاستحقاق الذي سيؤسس للمرحلة المقبلة التي ستشهد ايضاً انتخاب رئيس للبلاد، وتشي الوقائع بأن الاستشارات هذه المرة ستكون مختلفة بالتمام والكمال عن سابقاتها لناحية الشكل والخلاصة بفعل الخارطة السياسية الجديدة التي نجمت عن الانتخابات النيابية في الدرجة الأولى، وثانياً بفعل التحالفات المبهمة التي ظهرت في خلال انتخاب رئيس المجلس النيابي وكذلك في جلسة اكمال عقد المطبخ التشريعي في انتخاب هيئة المكتب واللجان ورؤسائها ومقرريها، وهذا يعني ان الاستشارات ستترافق مع حبس للأنفاس كون أن احداً من الأفرقاء ليس لديه اي معلومة عما يمكن ان تنتهي اليه الاستشارات مع عدم اسقاط احتمال حصول مفاجآت.
السفيرة الفرنسية مع ميقاتي لتأليف حكومة سريعاً لمتابعة الإصلاحات والمفاوضات مع صندوق النقد
وفي هذا السياق، تنصرف الكتل النيابية على طول ساعات اليوم للتشاور في استحقاق التكليف مع بروز نوع من الشروط المسبقة و«الفيتوات» ذات العلاقة بالأجواء السياسية السائدة، قبل تحديد الاسم الذي ستختاره في عملية التكليف، في ظل تسرب معلومات مفادها ان نواب «التغيير» يميلون إلى تسمية القاضي نواف سلام الذي لا يزال حتى الساعة الاكثر تقدماً في خلال عملية التشاور في ما بينهم وبمعزل عما ستكون الشخصية التي ستكلف قيادة السفينة في رحلة البحث عن توليفة حكومة تكون مقبولة من غالبية الكتل النيابية، فإنه من دون شك سيواجه حيطاناً عالية من التعقيدات في تشكيل الحكومة كون ان من سيكلف لن يكون في جانبه القوة النيابية القوية التي تجعله قادراً على تفكيك الصواعق الكثيرة من أمام التشكيل ولا سيما في ما خص التمثيل وتوزيع الحقائب، ناهيك عن البيان الوزاري الذي يتوجب الاتفاق على خطوطه العريضة قبل إعلان مراسم التشكيل تجنباً لحدوث ما لا يحمد عقباه ولا سيما ان الواقع السياسي الموجود حالياً مختلف إلى حد كبير عما كان عليه قبل الانتخابات النيابية، لا بل قبل ما اعتبر ثورة السابع عشر من تشرين والتي انطلقت في العام 2019، وبالاضافة إلى هذه العقبات والتي هي متعارف عليها في عملية تأليف الحكومات السابقة هناك عقبة اساسية وجوهرية من شأنها ان تزيد طينة العقبات الموجودة بلة وهي متصلة بالحكومة بذاتها حيث من الممكن أن يكون عمرها طويلاً في حال حصل فراغ رئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس عون في تشرين الاول المقبل ولم يكن قد انتخب من سيخلفه، وبذلك فإن من سيتولى أمر العباد والبلاد هي الحكومة الموجودة، ولذا سيسعى كل فريق سياسي إلى تحسين شروطه وموقعه ليكون حاضراً في حال وصلت الاوضاع إلى الفراغ الرئاسي الذي يحذر منه كل الأفرقاء في الداخل ومعظم الجهات الخارجية التي هي على تماس مع الواقع اللبناني.
وفي المعلومات ان الأمور في ما خص التكليف والتأليف وصلت إلى مدار استدراج العروض وقد ظهر ذلك جلياً من خلال المواقف الجديدة التي بدأت تطلقها اكثر من جهة داخلية معنية بالمباشرة بالاستحقاق الحكومي، مما يعني ان الامور ذاهبة إلى نوع من الكباش السياسي وشد الحبال الذي سيجعل من مسألة ولادة الحكومة امراً متعذراً في وقت قريب، هذا في حال لم نقل تعذر المجيء بحكومة جديدة من الآن وحتى الخريف المقبل موعد الاستحقاق الرئاسي.
ad
وفي اعتقاد أوساط سياسية متابعة انه لو حصلت تسمية الرئيس المكلف، فإن هذا لا يعني نهاية مطاف الاستحقاق الحكومي، فمسألة التأليف ستمر بمخاض عسير في ظل الانقسام العامودي الموجود على الساحة الداخلية، وفي ظل غياب الاهتمام الاقليمي والدولي حالياً بالشأن اللبناني، حيث لا تبدي أي جهة من الجهات التي كان لها اليد إلى حد ما في مساعدة اللبنانيين على إنجاز استحقاقاتهم السياسية اي استعداد للتدخل، وهي تفضل ان تبقى يدها بعيدة عن الحريق اللبناني وهي تبتعد عن الملف اللبناني تحت حجة أنها لا تملك ما تقدمه حاضراً للبنان، وأنها تفضل أن تعالج الملفات السياسية على الطريقة اللبنانية من دون تدخل أي جهة باستثناء ما أبدته السفيرة الفرنسية خلال جولاتها الأخيرة على المسؤولين لجهة استمرار الدعم الفرنسي للبنان وميلها إلى إعادة تكليف الرئيس ميقاتي والإسراع قدر الإمكان في تأليف الحكومة الجديدة، لمتابعة الملفات التي كانت حكومة تصريف الأعمال قد شرعت في مقاربتها وخصوصاً في ما يتعلق بالإصلاحات والمفاوضات مع فريق صندوق النقد الدولي.