Site icon IMLebanon

حوار وتشاور وتعطيل

 

رمى الرئيس نبيه بري الجزرة للموفد الفرنسي جان إيف لودريان، الذي نقلها بأمانة إلى المعارضة، من دون شبهات ولا شكوك، ومن دون قلق من مناورة معتادة، ومن دون محاذير. الرئيس نبيه بري لديه عرض جديد: تشاور نيابي في قاعة المجلس، يترأسه لدقائق، ثم يغادر بعد الترحيب بالنواب الضيوف، ويترك التشاور إلى وقت محدد قد يطول يومين أو ثلاثة أو أكثر، وبعدها يخلق الله ما لا تعلمون.

 

ما لا يمكن اعتلامه مسبقاً، المدى الذي يمكن أن تذهب إليه عملية اللعب على الحبال والتعابير والمصطلحات. هل هو حوار برئاسة بري؟ أم تشاور مفتوح الأمد؟ أم تشاور مشروط بقيام رئاسة المجلس النيابي، بتحديد جلسة بدورات مفتوحة، لا تنتهي إلا بانتخاب رئيس؟ أم هو شراء للوقت، وإدخال للمبادرة الفرنسية في دهاليز، لن تعرف كيف تخرج منها؟ أم هو قطع للطريق على المرشح الثالث اللابس بزّته المرقطة؟

 

لا أحد يعرف ماذا يدور في رأس بري، لكن الجميع متأكد أنّ رئيس المجلس و»حزب الله»، لا يريدان انتخاب رئيس الخيار الثالث، بل يستمران في تعطيل انتخابات الرئاسة، وقد تكون مرونة التشاور، مجرد انحناء ظرفيّ أمام عاصفة الخماسية، ورمي لكرة التعطيل في ملعب المعارضة.

 

قصة بري مع مبادرة كتلة «الاعتدال»، تصلح لكي تكون النموذج الذي يجب فهمه، في تعاطيه مع مبادرة لودريان. قبول مبدئي بالتشاور، ثم إصرار على ترؤس التشاور أو الحوار (لا بأس)، ثم فرض مسار يهدف لتكسير معارضة المعارضين، والتمهيد لانتخاب المرشح سليمان فرنجية، عبر استعمال التهويل بطول أمد الفراغ.

 

رياح الدوحة بعد زيارة الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، توحي وكأن قطر باتت تؤيد انتخاب رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية، لكن هل هذه هي الحقيقة؟ أم أنّ ذلك هو مجرد حرب نفسية تشن على المعارضة للقبول بفرنجية، وبكعكة في الحكومة، قبل أن يسير قطار التسوية ويسبق الجميع؟

 

سوّق قريبون من جنبلاط، لمناخ الدوحة الذي بات متفهماً لانتخاب فرنجية، لكن هذا التسويق سيبقى عرضة للتشريح والتحليل. ليس ممكناً توقع أن تسير الدوحة بشكل يخالف توجهات الرياض، وليس ممكناً أن تتخلى ولو من حيث الشكل عن الإسم الذي تستمر بترشيحه. هذه استنتاجات أولية تصلح لتفكيك الكيمياء المشتركة بين بري وجنبلاط، التي تنتج بعض المناورات على هامش الاستحقاق الرئاسي.

 

من هنا تعمل قوى المعارضة على توحيد موقفها من التشاور على طريقة، الاتفاق على كل نقطة ومرحلة بتفاصيلها من دون التباس. هذا يعني عدم القبول بترؤس بري أي حوار يتحول إلى عرف فوق الدستور، كما يعني الاستمرار برفض انتخاب مرشح «الحزب»، ولو طال زمن التعطيل سنوات.