من المُرتقب أن يدعو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية تأليف الحكومة، خلال ساعات، ومن المرجح أن يكون الاثنين المقبل يوم الاستشارات الطويل، لتسمية الرئيس المكلّف. وفيما ترجّح مصادر سياسية مطّلعة أن يُعاد تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليف الحكومة، انطلاقاً من الأصوات الـ65 التي انتخبت الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب، تسعى قوى المعارضة «السيادية» و»التغييرية» من جهتها الى الاتفاق على إسم لرئاسة الحكومة لتسميته يوم الاستشارات، وانتزاع التكليف من فريق 8 آذار.
الإستشارات النيابية الملزمة ستُجرى في يومٍ واحد في القصر الجمهوري في بعبدا. وترى جهات سياسية أنّه يتعذّر في هذه المرحلة تكليف شخصية لترؤس الحكومة غير ميقاتي، انطلاقاً من أنّ فريق 8 آذار خسر الغالبية النيابية وبالتالي لا يمكنه الإتيان برئيس حكومة على غرار الرئيس حسان دياب ولا بحكومة شبيهة بحكومة دياب. هذا في مقابل عدم بروز أكثرية نيابية متوحّدة ومتراصة، يمكنها حسم التكليف والتأليف. فضلاً عن أنّ ميقاتي «مرضى عليه» خارجياً، وبدأت حكومته بتنفيذ المطلوب من لبنان، خصوصاً لجهة التقدّم في التفاوض مع صندوق النقد، وبالتالي مطلوب منه أن «يكمل مهمته». كذلك أدّت الانتخابات النيابية إلى تشتت «سنّي» نيابياً، وغياب كتلة سنّية وازنة على غرار كتلة «المستقبل»، ما يرجح إسم ميقاتي أكثر، نظراً الى حيثيته السنّية والوطنية، والمباركة التي يحظى بها، إن من دار الفتوى أو من نادي رؤساء الحكومة السابقين. هذا إضافةً الى أنّ ميقاتي نجح في التعامل مع رئيس الجمهورية، ولم يُثر «غضب» أو «حساسية» «حزب الله»، في ملفات عدة، ومنها امتناعه عن دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد في ظلّ مقاطعة وزراء «الثنائي الشيعي» على خلفية قضية جريمة مرفأ بيروت.
هذا يضع قوى المعارضة المتنوّعة أمام تحدٍ أساس لإثبات «أكثريتها» والنجاح في هذا الاستحقاق، بعد أن فشلت في استحقاق انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس ورئاسة اللجان النيابية. وفي حين لا تزال قوى المعارضة، وفي مقدّمها «القوات»، تعمل على «الفوز» بالتكليف، ترى مصادر سياسية أنّ النواب الـ65 الذين انتخبوا بري سيسمّون ميقاتي لرئاسة الحكومة، إضافةً الى عدد من النواب المستقلّين، والذين لن يسمّوا ميقاتي بوضوح هم مبدئياً، نواب «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» و»الكتائب اللبنانية» و»التغييريون»، أي النواب أنفسهم الذين لم ينتخبوا بري، والذين من دون أصواتهم حصل على 65 صوتاً.
إلى الأجواء الداخلية، يبدو أنّ سياسة التهدئة والحلحلة تسود في المنطقة، مع إعلان زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للسعودية في 15 و16 تموز المقبل، بدعوة من الملك سلمان عبد العزيز، حيث سيلتقيه إضافةً الى ولي العهد الامير محمد بن سلمان. وستجري خلال اللقاء بين بايدن والملك السعودي، مناقشة قضايا مهمة إقليمية ودولية، منها الجهود السعودية – الأميركية لإنهاء الحرب في اليمن، وتوسيع التعاون الاقتصادي والأمني في المنطقة، بحسب ما أعلن البيت الأبيض.
وتأتي زيارة بايدن للسعودية أيضاً، بعد التوتر الذي ساد بين الطرفين، والاتهامات والصفات التي ألصقها بايدن بالسعودية، بحثاً عن زيادة إنتاج النفط والغاز، وفي إطار سياسية المفاوضات، إثر تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا، بحسب ديبلوماسيين. وهذه السياسة الأميركية تسري أيضاً على لبنان، وتُرجمت في موضوع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، بحيث لبّى الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة أموس هوكشتاين دعوة لبنان، وحضر الى بيروت، والتقى المسؤولين وتبلّغ الرد اللبناني على اقتراحه السابق. وتصف مصادر مشاركة في اللقاءات مع هوكشتاين الأجواء بـ»الإيجابية»، مشيرةً الى أنّ الوسيط الاميركي سيستأنف عمله، وسينقل الاقتراح اللبناني إلى اسرائيل ثمّ ينقل إجابتها الى لبنان.
ويطالب لبنان في هذا الردّ، بحقل قانا كاملاً، ما يؤدّي الى تعديل الخط 23 بحيث يتعرّج ضمن الخط 29. لكن الردّ اللبناني لا يشمل موضوع التنقيب خصوصاً في حقل «كاريش». وتشير المصادر نفسها الى أنّ هوكشتاين أوضح أنّ السفينة اليونانية الموجودة في حقل «كاريش» مُقرّر قدومها منذ أكثر من سنتين، وهي موجودة خارج حدود المنطقة المتنازع عليها بنحو ميلين ونصف ميل، وبالتالي «لا علاقة لنا بها». وهذا يعني أنّ «احتمال الحرب» جرّاء التنقيب في «كاريش» بات مستبعداً. كذلك بحسب الأفكار المطروحة، وحمايةً للحقوق اللبنانية، سيكون هناك نوع من مسافة بين الخط 23 والخط 50، بحيث لا يستثمر أي طرف هذه المنطقة.
وتتوقّع مصادر متابعة أن تنعكس نتائج المحادثات الأميركية – السعودية، على لبنان، مع الأخذ في الاعتبار أنّ واشنطن ترغب في الوصول إلى اتفاق بين لبنان واسرائيل حيال الترسيم، كذلك لا تريد أن ينهار لبنان إلى مستوى يشكّل مصدر «إلهاء» لها في هذه المرحلة وفوضى في منطقة تحاول ترتيبها. لذلك قد يُترجم ذلك على مستوى التكليف والتأليف أيضاً، لجهة التعامل مع أي حكومة يتفق عليها اللبنانيون، وبالتالي إنّ كرة هذا الاستحقاق الحكومي في ملعب القوى اللبنانية، فلا نية خارجية حتى الآن للدفع الى التصعيد أو المواجهة في لبنان.