تتلاحق السيناريوهات المتوقعة، بين موعد الدعوة الى الإستشارات النيابية الملزمة وقبل 48 ساعة على إجرائها، وهي مبنية في تفاصيلها على ما بين غليان الشارع السني وعدم وجود أي نية لدى الرئيس سعد الحريري ومعه دار الفتوى في التصعيد، وهو ما يدفع الى ترقّب التطورات المفتوحة على شتى الاحتمالات ساعة بساعة. فما الذي يقود الى هذه المعادلة؟
حتى الساعات الأخيرة التي سبقت كتابة هذه السطور، لم يكن أحد من القيادات السياسية قادراً على رسم ما هو متوقع من تطورات تتصل بما ستكون عليه الإستشارات النيابية الملزمة يوم الإثنين المقبل. فالمهلة الضاغطة التي قصدها رئيس الجمهورية ميشال عون في المهلة الفاصلة بين الدعوة اليها يوم الأربعاء الماضي والترتيبات الخاصة بها قَلّصت هامش المناورات المحتملة، ووضعت الجميع أمام استحقاق الكشف عن المواقف النهائية والجدية التي ستترجمها هذه الإستشارات بالصيغة النهائية غير القابلة لأيّ شكل من أشكال المراجعة.
ورغم ضياع الكثير من المهل ما بين استقالة الحريري في 29 تشرين الأول الماضي وتاريخ تحديد الموعد للاستشارات الملزمة الأربعاء الماضي في الرابع من الشهر الجاري، والتي تجاوزت كل المهل السابقة التي فصلت بين الإستقالة والتكليف، هناك من يتحدث عن احتمال تأجيلها إذا دفعت التطورات المنتظرة نتيجة الدعوة الى يوم «أحد الغضب» وما يمكن أن يرافقه من قطع طرق قد تمتّد الى صباح اليوم التالي.
لا يتوقف الأمر عند هذا السيناريو، ففي الكواليس السياسية الكثير من الروايات المتداولة التي تُنبىء بالمفاجآت، فالبلد مفتوح على الكثير منها في ظل غموض المواقف وعدم التثبّت من الكثير من المعطيات التي تتراوح بين التمنيات والرغبات من جهة، والوقائع من جهة أخرى. ورغم هذا الغموض غير البنّاء الذي تعيشه البلاد على وقع الأزمة النقدية والمالية والإقتصادية المستفحلة، يمكن التوقف عند بعض المؤشرات الفاصلة عن موعد الإستشارات، والتي ما زالت تلقي بظلالها على مجريات الاحداث ما قبل الإثنين المقبل.
ليس خافياً على أحد، أنّ الجميع، ولاسيما رئيس الجمهورية ومعه «التيار الوطني الحر» و«الثنائي الشيعي»، ينتظرون موقفاً واضحاً من الحريري بتسمية الخطيب ودعمه. ورغم إصرارهم في العلن على التعبير عن الثقة بأنهم حصلوا على هذا الموقف الإيجابي مبدئياً، كما عبّر عن ذلك وزير الدولة محمود قماطي قبل يومين، فإنهم ينتظرون تأكيد ذلك وتثبيته بعد اجتماع كتلة المستقبل النيابية التي ربط موعد اجتماعها بعد الدعوة الرئاسية الى الإستشارات النيابية الملزمة، وهو ما حصل في اليوم التالي للطلب، وليقول بعد الاجتماع الكلمة الفصل في ما هو مطلوب منه ما لم يرغب في أن يبقى مرشّحاً وحيداً للمهمة عينها. ولذلك، ما زالت الأطراف الثلاثة التي أعطت الحريري المهلة لبَت آخر خياراته تنتظر هذا الموقف بمعزل عن الغليان الذي يسود «الشارع السني» لجهة رفضه تسمية الخطيب.
ولكن رغم هذه المعادلة، فقد صار واضحاً انّ الحريري يتريّث في توجيه الدعوة الى الاجتماع المنتظر للكتلة وسط شكوك تَسبّب بها تردّده حتى الساعة، وسط مؤشرات تعتبرها إيجابية لجهة ابتعاده عن الجو «السني المتشنّج».
والدليل يبرز في ردّة الفعل الفورية التي عبّر عنها بيان هيئة شؤون الإعلام في «تيار المستقبل» الذي صدر في أعقاب الدعوات الى التظاهر في اتجاه «بيت الوسط» صباح السبت (اليوم) في 7 كانون الأول الجاري، تحت عنوان «معك يا شيخ سعد ودعماً للطائفة السنية». والذي وصف الداعين الى هذا الحراك بأنهم من «جهة مجهولة، وهي غير موجودة في الاساس». ونبّه البيان «المحازبين والمواطنين كافة الى وجوب عدم التعامل معها». وهو ما يعني أنّ الحريري ليس في وارد اللجوء الى الشارع أو تبنّي مواقفه وحراكه للتعبير عن أي موقف من الخطيب قبل ان تجتمع كتلته النيابية لبَت الموقف النهائي، وهو أمر مؤجّل على ما يبدو الى نهاية المهلة الفاصلة عن الإستشارات، والمتوقع مساء غد الأحد.
والى هذه المعطيات كشفَ العارفون بالكثير من التفاصيل انّ دار الفتوى ليست في وارد إصدار أيّ بيان ينزع عن الخطيب «الميثاقية السنية»، رغم الدعوة التي وجّهها الوزير السابق ونائب بيروت المنفصل عن كتلة «المستقبل» نهاد المشنوق للمفتي عبد اللطيف دريان، بدعوة الهيئات الناخبة في الطائفة من أجل اتخاذ موقف ممّا يجري على الساحة اللبنانية، معتبراً أنّ التمادي في ما حصل مع الخطيب قد تجاوز «مسألة صلاحيات رئاسة الحكومة وباتت تمسّ الكرامات، وبشكل خاص الكرامة الوطنية لموقع الرئاسة الثالثة وكرامة أهل السنّة الذين يمثّلهم رئيس الحكومة في النظام المعتمد، سواء في التأليف أو التكليف أو التشاور…».
وبمعزل عمّا هو منتظر حصوله على المستوى السني، فإنّ المعطيات تشير الى قبول رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط ما يقرّره الحريري. ولن يتخذ اي موقف يتجاوز سقفه، فإن مشى الحريري سيمشي معه، فهو ليس قادراً على المعاندة قبل إقفال ملف «قبرشمون» باعتراف كثر. فالمعلومات تقول إنه ما زال سيفاً مصلتاً يضعه الى جانب «الثنائي الشيعي» في خياراته الحكومية رغم ارتيابه من طريقة توزيع الحقائب الدرزية. فالقرار بتقاسمها مناصفة بينه وبين الحزب الديمقراطي اللبناني سيسبب إشكالاً يمكن تجاوزه.
والى موقف «القوات اللبنانية» المعلن من عدم تسمية اي مرشح للتكليف، وفي انتظار موقف كتلة نواب الكتائب اللبنانية، فقد بات واضحاً انّ كتلة الرئيس نجيب ميقاتي ستسمّي الحريري سواء كان مرشحاً أم لا، وكذلك الرئيس تمام سلام فله الموقف عينه، ويضاف اليهم بعض المواقف المنفردة من النواب المستقلين، وبعض أعضاء الكتل الأخرى كمثل النواب نعمت فرام وشامل روكز اللذين لن يسمّيا الخطيب، كذلك النائب ميشال ضاهر، اذا بقي بعضهم مصرّاً على رفض تسمية الخطيب منفرداً لهذه المهمة.
وبناء على ما تقدم، وفي ظل العجز عن تقديم اي سيناريو على آخر، يبدو واضحاً انّ الأمور ستبقى غامضة حتى ربع الساعة الأخير. وانّ الحديث عن أمور محسومة سابق لأوانه، وهو ما يدعو الى ترقّب المواقف منها ساعة بساعة.