لم يعد يصحّ استعمال صفة المعارضة على مجموع القوى التي فازت في الانتخابات النيابية والتي تصنّف عملياً خارج تأثير «حزب الله». لقد بات الأولى بعد الإستشارات النيابية، وصف ما جرى بالنكبة الحقيقية، دون المجازفة بأن يكون هذا التوصيف من باب المبالغة أو التحامل.
النكبة الجديدة التي يجب قراءة نتائجها تتخطى تحميل المسؤوليات ورشق الاتهامات، ومن الخطأ توقع أن تقتصر النتائج على الانتخابات الرئاسية، بل هي مرشحة لأن تغطي السنوات الأربع المقبلة من عمر هذا المجلس البائس، الذي لم يكد اللبنانيون يرون فيه بصيص أمل للتغيير، إلا وأصابتهم هزائم ثلاث، ستكون بداية لهزائم متتالية.
أن لا يحصل اتفاق بين قوى المعارضة على اسم ليشكل حكومة تكون بداية لصدمة ايجابية، فهذا يعني أن هذه القوى لن تتفق في أي استحقاق مقبل، وهذا يعني أن لا وجود لمعارضة، بل لقوى تعترض «عالقطعة» وأن لا وزن ولا تأثير لمن خاضوا الانتخابات على أساس القدرة والاستعداد لبناء نهج مختلف.
اختصرت الابتسامة العريضة للنائب محمد رعد، كل النتائج الكارثية للانتحار الذاتي لمن ادّعوا السيادة والتغيير. لقد تلقى «حزب الله» هدايا ثمينة منذ ولادة هذا المجلس لكن الهدية الأثمن كانت الإستشارات، بكل ما سبقها من اتصالات ومشاورات وحسابات شخصية وأنانيات قاتلة، ومراهقات بالجملة والمفرق، وكلها ابنة مرض عضال: القتال لنيل الفتات، وتغييب الأولوية، التي لا أولوية بعدها، أي تكوين اطار وطني جامع يتحمل مسؤولية الإنقاذ.
بهذه الهدية الثمينة سوف ينطلق الحزب واثقاً إلى كل الإستحقاقات المقبلة ومنها رئاسة الجمهورية، التي بات الطريق إليها سواء بجبران باسيل أو بسليمان فرنجية، أو بأي مرشح آخر، معبداً، لا تعترضه سوى شراذم متنافرة، والخلاصة أن الحزب بات يمتلك أكثرية صلبة لا نقاش في صلابتها، سواء بالنسبة إلى حلفائه المباشرين أي التيار الوطني والرئيس نبيه بري والمردة والاحباش، أو بالنسبة إلى الذين أصبحوا تحت سقف الحزب بدون أي التباس، وهم ينتمون الى فئات كثيرة.
لقد كانت الإستشارات اختباراً حقيقياً لتركيبة مجلس النواب، ففي هذه التركيبة من أعلنوا بوضوح عن هويتهم إلى جانب المنظومة، وفيها من انسحبوا طوعاً من المواجهة، وكان مردود انسحابهم ربحاً مضاعفاً للمنظومة، التي جددت لنفسها في المجلس والحكومة، والتي تستعد للتجديد في انتخابات الرئاسة، مع كل ما سيرافق ذلك من المزيد من تشتيت وإضعاف ما تبقى من قوى حزبية ومستقلة، والأخطر المزيد من تشتيت الثقة بإمكان حصول التغيير.
لنتخيل السيناريو المقبل بعد تكليف الرئيس ميقاتي. سيقوم الرئيس المكلف بالبدء بالبحث ببازار التشكيل مع جبران باسيل، محمياً من الرئيس نبيه بري، وكل ذلك تحت سقف «حزب الله» الحامي الأكبر للمنظومة.
سيمتد هذا البازار زمنياً إلى أسابيع أولية من الصيغ والأخذ والرد، وكلها حول وزارة الطاقة والخارجية والشروط المسبقة، من طبخة التعيينات إلى قضية رياض سلامة. قد يرسو البازار على اتفاق، لكن لن يسمح لميقاتي وبري أن ينتزعا وزارة الطاقة من باسيل، الذي سيفاوض على أن يكون وزيراً في الحكومة على سبيل المناورة، فيتنازل إذا نال الوزارات التي يريد وأولها الطاقة، وإذا نال مسبقاً وعداً بأن يحظى بالتعيينات لـ81 موقعاً مسيحياً شاغراً في الإدارة.
قد يقترب ميقاتي من التسوية مع باسيل وقد يبتعد، طالما أن في جيبه ورقة حكومة تصريف الأعمال، لكن الحكومة الجديدة إذا شكلت لن تكون إلا على صورة الحكومة الحالية، وبالتالي سيستمر الصراع من داخلها على كل الملفات، بحيث لن تقدم للبنانيين إلا فضيلة «تدوير الزوايا».
في الجانب الآخر من الصورة، سوف نستمع الى الكثير من أطروحات المعارضين مع بعض الصراخ والجدية، رفضاً للمنظومة، لكن لن يمحى بسهولة من الذاكرة القديمة والحديثة، أن المنظومة استمدت أحد أبرز قوتها وديمومتها من هذا المشهد البائس الذي أطلق عليه عرّابوه اسم معارضة.