Site icon IMLebanon

أهداف ملتبسة وراء التأخير بالدعوة للإستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة الجديد

 

 

«التأخير الحاصل يبدو متعمداً في ظاهرة كونه، لا يأخذ بعين الاعتبار للواقع السياسي القائم بعد الانتفاضة الشعبية التي تعمّ البلاد»

 

الأسباب والحجج التي يتذرع بها المقرّبون من الرئاسة الأولى، لتبرير تأخير رئيس الجمهورية بالدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة بعدما يقارب الاسبوع من قيام الرئيس سعد الحريري بتقديم استقالة حكومته، لم تقنع السواد الأكبر من اللبنانيين، اولا لأنه لم يسبق ان اعتمدت منذ اتفاق الطائف وحتى خلال تأليف حكومتي الرئيس الحريري في مطلع العهد الحالي وبعد الانتخابات النيابية الأخيرة.

 

وبالرغم من عدم وجود مُـدّة محددة بالدستور تفرض على رئيس الجمهورية الالتزام بها، الا ان الظرف الحالي الاستثنائي الذي تمرُّ به البلاد، يعتبر حافزاً اساسياً وملحاً وضرورياً لتسريع الدعوة للاستشارات وعدم التباطؤ فيه لاعتبارات وغايات مشكوك فيها، واختصار الوقت قدر الإمكان لتسهيل قيام حكومة جديدة تتولى القيام بالمهمات الجسام التي تنتظرها لامتصاص  نقمة المتظاهرين والعمل بسرعة لاطلاق وتنفيذ برنامج المطالب الضروري والنهوض بالوضع الاقتصادي الذي يهمّ الجميع، خلافاً لنظريات بعض الدستوريين الذين لا يعتبرون هذا التأخير مخالفة دستورية، ولذلك بإمكان رئيس الجمهورية ان يأخذ الوقت الكافي، تارة بحجة إتمام تفاهمات مسبقة حول اسم رئيس الحكومة المرتقب تكليفه مع سائر الأطراف المعنيين، وتارة أخرى العمل على تحقيق التزامات معينة منه حول شكل وتركيبة الحكومة الجديدة والاتفاق على مُـدّة معينة لإنجاز عملية تشكيلها، كما يروّج لذلك هؤلاء المقرّبون ولو كان ذلك مخالفاً للدستور.

 

وثانياً، لأن التأخير الحاصل يبدو متعمداً في ظاهرة كونه، لا يأخذ بعين الاعتبار للواقع السياسي القائم بعد الانتفاضة الشعبية التي تعمّ البلاد، والتحسب المسبق للمخاطر المحدقة بالوطن ككل في حال لم يتم استيعابها في الوقت المناسب وبالسرعة الممكنة، واقوى دليل على ذلك ان استقالة الحكومة الأسبوع الماضي، احدثت صدمة إيجابية ملحوظة لدى المتظاهرين والمعتصمين، عبروا من خلالها عن مواقفهم علانية وخففوا من تحركاتهم الضاغطة إلى أدنى مستوى، ما أدى إلى انفراجات على مستوى الحيّاة العامة، في حين ان هذا الواقع انقلب رأساً على عقب نهاية الأسبوع المنصرم، عندما ظهر بوضوح ان التلكؤ في الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس حكومة جديدة كان بهدف استنزاف مبرمج للانتفاضة لإضعافها ومن ثم الانقضاض عليها وتجاوز وجودها كقوة جديدة على الساحة السياسية والشعبية من جهة، والسعي الحثيث للتملص من تقديم أي تنازلات سياسية فيما خص خريطة التوازنات السياسية التقليدية والمواقع الوزارية الموزعة بين مختلف الأطراف السياسيين كما كان سائداً قبل حصول هذه الانتفاضة والتظاهرات الشعبية.

 

ولم يقتصر التأخير الملحوظ في الدعوة للاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة العتيدة عند حدود التعامل الفوقي مع الانتفاضة والسعي الحثيث لتجاوز وجودها من الأساس، بالرغم من كل محاولات اللعب على المشاعر والتعاطف المزيّف مع المطالب المحقة والملحة للمتظاهرين على اختلافهم، بل شمل هذا التأخير المبرمج بشكل أساسي، اللعب على المكشوف لتأخير أو تحديد الانتقال إلى المرحلة السياسية المقبلة التي بدأت ترتسم معالمها منذ استقالة حكومة الرئيس الحريري واستمرار الانتفاضة الشعبية دون توقف وفي مقدمة هذه الامور: فرملة تبوؤ الرئيس الحريري للصدارة السياسية، بعدما تفاعل إيجاباً مع مطالب المتظاهرين وأبدى في أكثر من مناسبة تحسسه واهتمامه بصرخاتهم واوجاعهم وقدم استقالة الحكومة تجاوباً مع رغباتهم ولتفادي قيام بعض الأطراف بمحاولات يائسة لاستهداف هؤلاء المتظاهرين وقمع تحركهم باعمال عنيفة كما حدث في أكثر من مرّة، واستطاع جرّاء هذه الخطوة المتقدمة من الاستحواذ على ثقة أكثرية اللبنانيين خلافاً لباقي الزعامات الأخرى.

 

وثانياً، محاولة ابتزاز الرئيس الحريري من خلال التلويح بتأييد شخصيات سياسية سنية لا تستحوذ على الحد المقبول للمواصفات المطلوبة لتولي هذا المنصب، إن كان على الصعيد الشعبي العام أو في مجال الثقل الخارجي وممارسة السلطة بشكل عام، لمنعه من تنفيذ شروطه لتولي رئاسة الحكومة المقبلة.

 

ثالثاً: تقليص حجم ومواقع مشاركة الحراك الشعبي إلى أدنى مساحة في التركيبة السياسية المقبلة.

 

وفي الخلاصة، فإن التأخير بالدعوة للاستشارات النيابية المرتقبة، استقطع الوقت دون جدوى، ولكن لا يمكن ان يقفز فوق الخريطة الجديدة للواقع السياسي الذي ارتسم بعد الانتفاضة الشعبية.