تنشط الاتصالات السياسية المحلية لتحريك السواكن الدستورية من مجلسية وحكومية، مع عودة الرئيس تمام سلام من اجازته الأوروبية الخاصة، عصر اليوم الاثنين، ليكون المنطلق خطاب له في إفطار جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية عند المساء.
وتعتقد أوساط معنية ان التصعيد المتصاعد يومياً، من جانب العماد ميشال عون، غرضه القوطبة على المساعي التي يتولاها سلام بمؤازرة رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس اللقاء النيابي الديمقراطي وليد جنبلاط، أو بمعنى آخر مراكمة المطالب والشروط، على أمل الحصول على ما يتيسّر…
وما يتيسّر الآن، كما هو معروف، تحدث عنه رئيس التيار الوطني الحر أمس، وهو تعيين صهره العميد شامل روكز قائدا للجيش، وبتحقيق مثل هذه الأمنية، يتصوّر انه يحقق الخطوة الأهم، بالقول للعماد جان قهوجي: كشّ ملك، على رقعة شطرنج رئاسة الجمهورية.
ويبدو العماد عون مطمئناً الى صلابة موقف حزب الله الى جانبه بعدما تمنى الحزب عبر وزيره محمد فنيش على الرئيس سلام وبحضور وزير الخارجية جبران باسيل ان يترك الوزراء يرتاحون في رمضان، وقد استجاب سلام للنصيحة بعد التشاور مع كتلة المستقبل، التي عادت ونواب ١٤ آذار، للمطالبة باستئناف جلسات مجلس الوزراء، مهما كانت العقبات، لأن استمرار الحكومة في اجازتها الرمضانية يدخلها في بوتقة الفراغ الباسط جناحيه فوق قصر بعبدا ومجلس ساحة النجمة!..
وتدخل حملة خبط الأقدام على أرض الرابية الهدّارة التي ينظمها التيار الوطني الحر، بصورة شبه يومية، في سياق الحملة التصعيدية المستمرة، منذ وصل الى وزارة الخارجية محضر لقاء سفير لبنان في موسكو مع نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف، الذي صارحه بأن على العماد عون ان يصرف النظر عن موضوع الرئاسة، لأن المطلوب رئيس توافقي. وقبله جواب الرئيس فؤاد السنيورة على سؤال لوفد برلماني أوروبي خلال جولة له في بيروت مضمونه: ما هو المطلوب للقبول بالعماد عون رئيساً، فكان ردّه: لا مجال لأن يصبح الجنرال رئيسا..
ورداً على الرد طرح عون الفدرالية، كشعار تعجيزي يدرك قبل سواه، انه سيلقى مصير مشروع قانون الانتخابات الأورثوذكسي… ولما لم يثر هذا الطرح الاهتمام الكافي بدأ الحديث عن النزول الى الشارع، هنا جاء من يذكّره بأن الشارع يقابله شارع.
وإذ اختار اطلالته أمس للرد على مسؤول الدبلوماسية الروسية في الشرق الأوسط، بوغدانوف، من خلال التمييز بين الرئيس التوافقي الذي تحدث عنه بوغدانوف، والذي يعني بنظر العماد عون استمرار الحال على حاله، وبين الرئيس التوفيقي الذي يطرح عون نفسه على أساسه، فالتوافقي يتوافق المختلفون عليه، بحيث يكون مجرد خيال صحراء… أما التوفيقي فهو القادر على التوفيق بين المختلفين، وهذا ما يحتاجه لبنان.
وثمة من تساءل عن سرّ اهتمام موسكو بملف الرئاسة اللبنانية، وحتى باختيار الرئيس، وهذه
ظاهرة مستجدة، بنظر الكثيرين، وبالتالي سر اهتمام العماد عون بالموقف الروسي الى درجة الحرص على الرد الفوري تقريبا…
والراهن ان موسكو بدأت تعطي اهتماما خاصا لقضايا مسيحيي الشرق، وقد بلورت اطارا لذلك تحت عنوان حماية المسيحيين عموما، من دون الاقتصار على الارثوذكسيين وحدهم، كما كان دورها في القرن الثامن عشر مستفيدة من انعدام ثقة هؤلاء بالغرب عموما وبالولايات المتحدة بالذات، والتي ثبت لأركان الكنائس المشرقية ان اهتماماتها محصورة بمصالحها، ومصالحها تختصر بعنصرين: اسرائيل والنفط…
وهكذا، عندما قال بوغدانوف ان على عون الانكفاء، فمعنى ذلك ان هذا الكلام سيكون له صداه لدى من دفعتهم احداث سوريا والعراق، للتطلع شرقا، طلباً لحماية عارض الحماية القيصر الروسي الجديد.
ويبقى السؤال، الى اين يتوقع ان تصل مشاورات ثلاثي: بري – سلام وجنبلاط في مواجهة الفراغات المفروضة على مؤسسات الدولة الدستورية، وفي ظل التعنت المستقوي بالمشاريع الاقليمية؟
بعض المعطيات تقول ان التفاهم تم بين بري وسلام على فتح دورة استثنائية لمجلس النواب تحت عنوان الحاجة الى تشريع الضرورة، الذي تنتظره ملفات مالية واقتصادية، لا تحتمل تأجيلا، خصوصا وان الهيئات الاقتصادية شمرت عن السواعد لتدلي بدلوها هي الاخرى في حارة كل من يده له… وهذا يتطلب تجاوز رفض بعض الكتل المسيحية التي ترفض التشريع قبل انتخاب رئيس للجمهورية أو بغيابه.
بالمقابل، سيدعو رئيس الحكومة الى جلسة لمجلس الوزراء، متجاوزاً شروط العماد عون وحليفه حزب الله، بتعيين قائد للجيش اولا، وملتزما بميثاقية الجلسة التي يؤمنها وزراء بري عن الشيعة والكتائب عن الجانب المسيحي، والاسباب الموجبة واضحة: اقرار البنود المالية والاقتصادية المتعلقة بالهبات الدولية والقروض وسلفات الخزينة.
واذا كان من ظلم في هذا، لأحد الاطراف أو لأكثر من طرف، يكون كما كل ظلم في السوية، عدلا في الرعية…