IMLebanon

مشهد نيابي «جديد ودقيق» يزيد حجم التحدّيات

 

 

اما وقد أُجريت الانتخابات النيابية بمشاركة شعبية مقبولة في مرحلة هي الأدق، فإنّ المجلس الجديد مدعو إلى مواجهة استحقاقات خطيرة. وبمعزل عن المحطات الدستورية النيابية والحكومية والرئاسية المتتالية، على المجلس التصدّي للجائحة الاقتصادية المتصاعدة التي تهدّد أي إنجاز محتمل، وتحدّ من القدرة على تذليل المصاعب التي عجز عنها سلفه. وهي معادلة كرّسها المشهد النيابي الجديد على دقّته وحساسيته، والذي انتهت إليه الانتخابات، ليرفع من حجم التحدّيات المقبلة. كيف ولماذا؟

بعدما أقفلت صناديق الاقتراع وما انتهت اليه العملية الانتخابية، لم تُعط أي قوة أو طرف الاكثرية الحاسمة التي خلّفت معادلة توازنات نيابية جديدة، يمكن ان تكون سلبية جداً بمقدار ما يمكن ان تكون إيجابية في الوقت عينه. ولذلك، فإنّ أي متغيّرات تحسم بين النظريتين المتناقضتين باتت رهناً بإنتاج تحالفات وتفاهمات جديدة تكسر الإنقسام الحاد على المستويين العمودي والأفقي في مجلس سيتسلّم مهماته الدستورية بعد 5 ايام.

 

وعليه، كيف يمكن التوصل إلى قراءة المؤشرات الدالة الى هذه الصورة السياسية والنيابية المعقّدة، في بلد اكتوى بتجارب سابقة من التوازنات السلبية الناتجة من الميثاقية الطائفية والمذهبية التي تحكّمت بكثير من الملفات المدرجة على لائحة القضايا الخلافية الكبرى، والتي عجزت التوازنات السابقة عن معالجتها عندما أرجأت حلّ بعضها، وطوتها مؤقتاً على زغل، وعجزت عن أخرى وتفاقمت وتناسلت الى ان شملت مختلف وجوه حياة اللبنانيين اليومية الطارئة وتلك المستقبلية؟

 

وبناءً على هذه المعطيات الجديدة التي بدأت تتبلور بوضوح، والتي كرّسها الإعلان الرسمي والنهائي عن النواب الذين فازوا في السباق الى ساحة النجمة، ووضعت اللمسات الاخيرة على الصيغة شبه النهائية التي تفرزها النتائج النهائية، وما أوحت به من توازن دقيق يقود الى مستقبل غامض يوحي بإمكان الانتقال الى المربّع السلبي كما الإيجابي في آن. وهو أمرٌ بات رهناً بالقدرة على إدارة النزاع في الفترة المقبلة وإمكان ولادة تحالفات جديدة يمكن ان تنتهي الى توليد المخارج الممكنة لتجاوز المطبات المقبلة على خطورتها ومعها المصاعب التي رفعت من نسبة التحدّيات أمام المجلس الجديد. بناءً على كل هذا، فإنّ التوازن الدقيق المحفوف بمخاطر الوقوف عند حافة الانقسام الحاد بين الكتل النيابية بين طرفين محورين أساسيين، أحدهما يرفع شعار الممانعة الذي بات في مواجهة اكثر قوة، ومع محور آخر يدعو الى الحياد عن الشرق والغرب وإعادة ترميم العلاقات مع العالم العربي والخليجي تحديداً ومعه ممثلو القوى التغييرية التي حجزت مقاعدها في مواجهة متعددة الاتجاهات وضد القوتين اللتين تمثلتا بقوى وأحزاب السلطة وتسوية العام 2016، وتلك التي زاوجت بين قوى التغيير والاحزاب المقبولة في بيئتها.

 

وعلى هذه المعايير استقرت القراءة الأولية لنتائج الانتخابات النيابية وما حملته من مفاجآت لم يكن اكثرها في الحسبان، ومنها التي نجمت عن نسبة المشاركة في الدوائر ذات الاكثرية السنّية وتراجع نسبة المشاركة الشيعية في الدوائر الخالصة لبيئتها، كما في عدد من الدوائر المختلطة والحساسة في الداخل، وتلك التي حملتها صناديق الاقتراع من خلف البحار وبدّلت من نسبة الحواصل الانتخابية، فقلبت الأوضاع رأسا على عقب في البعض منها، بهوامش ضيّقة جداً.

 

وعليه، فإنّ كثرة السيناريوهات المتداولة التي أفرزتها الانتخابات، لا تنفي وجود واحد منها ناجم عن الانقسام الحاد الذي اقترب مما يأتي به «ميزان الجوهرجي»، وانّ غياب أي مسعى لكسر هذه الحدّة التي وازنت بين القوتين المتنازعتين، لا يخفي حقيقتين قد تحققتا، وقد يكون لهما تأثيرهما البالغ في كثير من المحطات المنتظرة، وأولاهما الحماية التي وفّرتها «الثنائية الشيعية» لنفسها بإطباقها الكامل على المقاعد الشيعية الـ27 تمهيداً لاستخدامها في أي تسوية ممكنة بعد انتهاء مرحلة عرض العضلات التي لا بدّ منها بعد إقفال صناديق الاقتراع.

 

كما لا يمكن تجاهل الواقع الدرزي الجديد الذي انتهت اليه العملية الانتخابية. فاستعادة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» الآحادية التمثيلية لصدارة التمثيل الدرزي الذي كان يتحكّم به قبل انتخابات العام 2018 تؤشر إلى مرحلة جديدة عند توزيع مواقع القوى السياسية والحزبية. فسقوط جميع المرشحين الذين «هدّدوا» موقع المختارة ومرجعيتها الدرزية وتجرأوا على التهديد بإقفال نواحٍ من نواحيها المختلفة، عزّز موقعه وهو ما يترجمه خسارة الأمير طلال ارسلان وعدم وصول كل من وئام وهاب ومرشح «الثنائي الشيعي» في بيروت الثانية وإن أضيف اليهم مروان خير الدين في دائرة الجنوب الثالثة يكون المشهد قد اكتمل فصولاً.

 

وعلى هذه الخلفيات، ومهما تعدّدت القراءات النهائية للنتائج التي انتهت إليها حلقات الفيلم الانتخابي الطويل بمراحله الاربع، لا بدّ من الإشارة اليها، فإلى فقدان «حزب الله» القوة الضاربة للحاضنة المسيحية التي كان يحظى بها منذ اتفاق مار مخايل، جراء تراجع قوة العونيين و»التيار الوطني الحر»، ومعه الحاضنة الدرزية الأخرى، التي كان يوفرها ارسلان الذي فقد مقعده، وعدم قدرة الآخرين من اصدقائه الذين كانوا يسعون للوصول الى المجلس في دائرتي جبل لبنان الرابعة والجنوب الثالثة وبيروت الثانية. وما زاد في الطين بلة، الغياب التام لكتلة نواب «الحزب السوري القومي الاجتماعي» عن المجلس النيابي ومعهم رمز بحجم نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي ان انتهت عملية الفرز النهائية الى إبعاده عن ساحة النجمة.

 

على هذه الخلفيات جميعها، ومعها مؤشرات أخرى، يجد المراقبون أنفسهم أمام مشهد نيابي جديد وحساس لم يكن متوقعاً، بما حمله من مفاجآت لا بدّ من الانتظار لأيام قليلة تفصل عن اولى المحطات الدستورية الطبيعية التي تلي تسلّم المجلس الجديد مهماته الدستورية لطرح مجموعة من الأسئلة واولها، من سيكون رئيس مجلس النواب، وإن كان الرئيس نبيه بري ما زال هو المرشح الوحيد المعلن عنه، كيف يمكن ان يحتفظ بالإجماع الذي كان قائماً من حوله؟ وكيف سيكون شكل الحكومة المقبلة، وإن فشل الرئيس نجيب ميقاتي في ان يتمثل في المجلس الجديد بكتلة نيابية باتت من الماضي، فمن سيكون البديل القادر على تشكيل الحكومة الجديدة؟

 

وختاماً، وإن عبرت هاتان المحطتان بما تحملانه من معطيات جديدة كيف سيكون التعاطي مع استحقاق انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية؟ وهل سيسلّم بالقاعدة القائمة على انتخاب الاقوى؟ اما انّ هناك رؤوساً قد أينعت وقد حان قطافها؟ ومن هم البدائل الذين يتحمّلون المسؤولية في هذه المواقع؟ ومهمّة من اكتشافهم؟ ومن أين يؤتى بهم؟ أم انّ فترة الرعاية الدولية للبنان اقتربت وكيف يمكن ترجمتها؟