IMLebanon

الأولوية للإنتخابات أم لليرة والكهرباء ؟

 

القفز فوق الحكومة الإصلاحية والإنقاذية إلى الإنتخابات النيابية، مغامرة جديدة للمنظومة السياسية التي تُحاول الهروب من الإستحقاقات الداهمة، مالياً ونقدياً ومعيشياً، إلى مسرحية إنتخابية جديدة تُلهي الناس عن أوجاعها، بل وقد يُحاول الكثير من الأطراف الحزبية إستغلال الواقع المعيشي المتردي لإختراق الغضب الشعبي على الطبقة السياسية الفاسدة والفاشلة.

 

ووضع الإنتخابات النيابية في مقدمة الأولويات العاجلة، هو كوضع العربة أمام الحصان، لأن وقف الإنحدار الراهن، وما يجر معه من إنهيارات متزايدة في مختلف القطاعات، يتطلب معالجات سريعة وفاعلة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.

 

الإعداد للإنتخابات النيابية في أيار من العام المقبل، يتطلب إنشغالاً شبه كامل من الدولة والأطراف السياسية بالتنظيمات الإدارية والإجراءات اللوجستية، فضلاً عن الحملات الترويجية المحمومة، وما تتطلبه من نفخ على جمر الحساسيات الطائفية والمذهبية، والخطابات الشعبوية النارية لشد العصب الطائفي والمذهبي، الأمر الذي لا يُعطل عمليات الإصلاح والإنقاذ ، ولو في حدّها الأدنى وحسب، بل يساعد على تأجيج حدة الإنقسامات والتشرذم ليس بين الطوائف فقط ، بل وحتى داخل كل طائفة وكل مذهب، وبالتالي يُفاقم ضعف الدولة وتلاشيها تحت ضغط الصراعات الداخلية.

 

لا داعٍي للتأكيد أن كل تلك التفاصيل ستؤدي، وبشكل تلقائي، إلى تجميد العمل في الورشة الإصلاحية التي تنتظرها الدول الشقيقة والصديقة ليتسنى لها مد يد العون والمساندة لوطن الأرز الذي نخرته سوسة الفساد حتى العظم، والذي تُهيمن على مقدراته منظومة سياسية فاشلة.

 

ماذا سيحصل للكهرباء، مثلاً، بعد ١١ شهراً هو موعد الإنتخابات، وما قد يعقبها من بضعة أشهر أخرى ريثما يتم تشكيل حكومة ما بعد الإنتخابات؟ مَن سيبت في الخلاف مع شركة البواخر التركية؟ وما مصير عقود صيانة محطات التوليد المتهالكة؟ وكيف سيتم توفير الفيول والمازوت لتأمين إستمرارية التيار ولو في ساعات التقنين القاسية؟ إضافة إلى تعطيل الخطوات الواجب إتخاذها لتجديد المعامل القديمة، والبحث في إنشاء محطات توليد جديدة.

 

وعدم تحقيق أية خطوة إصلاحية جذرية في قطاع الكهرباء، الذي إحتل المرتبة الأولى في مناقشات مؤتمر «سيدر»، يعني أن لا مساعدات قريبة بتحسين أوضاع الكهرباء، بل لعل العكس هو الصحيح، بحيث أن التدهور المستمر في هذا القطاع الحيوي قد يبلغ حدوداً كارثية، تُسرّع الإنهيار الشامل نحو العتمة الكاملة، في بلد كان يزوّد الجارة السورية بحاجتها للكهرباء في مطلع السبعينات من القرن الماضي!

 

وما يُقال عن الكهرباء، يُقال مثله وأكثر عن الوضع المالي، والتراجع المستمر في سعر صرف الليرة تجاه الدولار، رغم كل الإجراءات التي يتخذها مصرف لبنان.

 

أصبح واضحاً للقاصي والداني أن الدعم العشوائي لـ٣٠٠ سلعة غذائية قد إستنفد ما تبقى من إحتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة، وبلغ الأمر حاليا الخطوط الحمر المحيطة بالإحتياطي الإلزامي للمصارف، والذي قد يبدأ مد اليد عليه في أول الشهر المقبل، مع بدء تنفيذ التعميم الأخير لمصرف لبنان والقاضي بصرف ٤٠٠ دولار شهرياً لكل مودع.

 

لا ندري إذا كان في الدولة العلية من أدرك ، حتى الآن، أن سياسة الترقيع لا تُفيد بل تزيد الامور تعقيدًا، وتؤدي غالبا إلى نتائج عكسية تُسرع وتيرة الإنهيارات، وتجعل من عملية الوصول إلى الحلول أكثر صعوبة.

 

مضى عام ونيّف والحديث عن «الكابيتول كونترول» مازال مجرد أفكار ومقترحات على الورق، والمحادثات مع صندوق النقد الدولي متوقفة، والتخبط مستمر في السياسيات النقدية، نظراً لغياب الرؤية الشاملة من جهة، وللخلافات المستحكمة بين المسؤولين حول السياسة المالية القادرة على إخراج البلد من دوامة الأزمات المتفاقمة.

 

فشل المنظومة السلطوية في إنتاج حكومة مهمة بعد سبعة أشهر من التكليف، وتسعة أشهر من إنفجار المرفأ، أبقى الدولة اللبنانية في دائرة العزلة العربية والغربية، وما ترتب عليها من إنسداد في قنوات الدعم والمساعدة، الأمر الذي يستوجب تأليف حكومة قادرة على إستعادة الثقة اليوم قبل الغد، لمعالجة الأزمات المالية المتناسلة، قبل البحث في إجراء الإنتخابات المبكرة، أو حتى في موعدها العام المقبل.

 

ماذا سيكون عليه الوضع المالي للخزينة المفلسة، في حال تأخر إطلاق ورشة الإنقاذ المالي؟

 

أين سيصل سعر الدولار بسبب غياب المعالجات النقدية الجدية، بالتعاون مع الدول المانحة والصناديق الدولية؟ ثمة من يُراهن على أن الإنتخابات المقبلة ستُحدث التغييرات الجذرية اللازمة في التركيبة السياسية، وتكون مناسبة للتخلص من أكثر من ستين بالمئة من الطبقة السياسية والحزبية الراهنة.

 

ولكن واقع الأمر على الأرض قد يجعل حساب حقل الأحزاب والقوى التقليدية لا ينطبق على توقعات بيدر دعاة التغيير وشباب إنتفاضة ١٧ تشرين.

 

ذلك أن القانون الإنتخابي الحالي قد تم تفصيله على مقام المنظومة السياسية الراهنة، وبالتالي فإن ، النتائج المتوخاة من العملية الإنتخابية قد لا تختلف كثيراً عما أسفرت عنه عام ٢٠١٨ ونكون بذلك نكون قد أضعنا فرصة التغيير المنشود، وأتحنا للمنظومة الفاسدة فرصة تجديد التعويم مجدداً.

 

يُضاف إلى ذلك أن الضائقة المالية الخانقة التي تُمسك برقاب أكثر من نصف الشعب اللبناني، تفسح المجال للقوى السياسية الفاسدة والمتمكنة مالياً، لرش الرشوات وشراء الذمم، فيما الإمكانيات المالية لقوى المجتمع المدني وجماعات التغيير تبقى محدودة، وغير قادرة على المنافسة المالية مع حيتان المال وذئاب السلطة.

 

وإذا أخذنا بعين الإعتبار تماسك المنظومة الحاكمة في الدفاع عن نفوذها ومصالحها، رغم خلافاتها التقليدية، مقابل حالة الشرذمة والتناقضات السائدة في صفوف حركات الشباب والتغيير، ندرك تماماً أهمية إعطاء الأولوية لقطاعي الكهرباء والنقد قبل الإنتخابات، لأن الناس تريد لقمة عيشها أولاً، قبل أن تتحول هذه اللقمة إلى ورقة تصويت للفساد في صندوقة الإقتراع!