IMLebanon

الاستحقاقات الديموقراطية وحقيقة المشاريع السياسية

 

 

تحوّلت الدعوة الى الانتخابات النيابية، أكانت مُبكرة او في وقتها، مطلباً داخلياً وخارجياً عاماً، حيث تبدّلت مناشدات البعض الى ضرورة تسريع تشكيل الحكومة، المُنتقدة لموقف “القوات اللبنانية” الرافضة للمساهمة في المفاوضات، وانتقلت المطالعات التنظيرية الداعية الى ضرورة تغيير النظام، لتُصبح مزايدات في ضرورة إعادة إنتاج السلطة السياسية، متبنّيةً المنطق القائل بأن الانتخابات النيابية هي الامل الوحيد الذي يفتح المجال للشعب لمحاسبة الافرقاء السياسيين وترجمة خياراته وقناعاته ومعالجة شؤونه المعيشية والمالية. كما انضم لهذه الدعوات مسؤولو الدول الكبرى المؤثرة في المنطقة، بعدما تضمّنت مبادراتهم في الاسابيع القليلة الماضية نقاطاً تسووية مع السلطة الحاكمة، فإذ تراها اليوم تُشجّع اللبنانيين على محاسبة هذه السلطة من خلال الانتخابات والاستحقاقات الديموقراطية وتُبدي استعدادها لحماية حق الشعب بذلك.

 

إن الوصول لهذه القناعة من كافة هذه الاطراف يُعدُّ مسألة إيجابية، ولكنّ لتأخّرها كلفةً كبيرة على الشعب الذي تزداد معاناته بالساعات والدقائق، علماً ان السلطة استفادت من إضاعة الوقت للتحصّن ضد محاولات تحجيمها وإصلاحها. إن همّ قياديي الدول الكبرى يسير حسب توقيت مفاوضاتها ومصالحها وتسوياتها وعقودها، امّا همّ الداعي الاساسي والباكر للانتخابات النيابية المُبكرة، اي حزب “القوات اللبنانية”، فهو وجودي، منبعث من حرصها على تمكين مقوّمات الحرّيات في لبنان.

 

ونظراً للتطور الايجابي النسبي في هذا المسار الديموقراطي، المتوقّع ان يؤدّي الى التخلّص من السلطة الفاقدة للضمير وللحس بالمسؤولية، يتموضع افرقاؤها في حالة الدفاع عن النفس إمّا لعرقلة الاستحقاقات وإمّا لاسترداد بعض من شعبية خسرتها نتيجة اتهامها الصائب بمصائب البلاد، ولذلك بدأنا نشهد تصاعداً واضحاً في فصول انصرافها واستقتالها لاستعمال ما تبقّى من مقدّرات الدولة لصالح رشوة الناس وايهامها بتسهيل عذاباتها، حتى الموت حتماً، فمن توزيع للمازوت والبنزين المدعوم، الى إبقاءٍ للدعم الفوضوي المُزوِّد للتهريب والاحتكار، الى التجرؤ على اقتراف الجريمة الكبرى عن سابق تصوّر وتصميم بإقرار البطاقة التمويلية المموَّلة من الاحتياطي الالزامي، التي استحقّت لقب “البطاقة الانتخابية”، كونها تفتقد للرقابة والشفافية والادارة الكفوءة، كل ذلك يدل على نياتها لاعتبار اموال المودعين مصادرة من قبلها، فتأمر بتوزيعها على المحظيين. فويلٌ لشعبٍ تحكمه سلطة فاقدة للمسؤولية، لا تتعظ من سوابقها، وتعمد الى رشوة الناس من حقوقها، وشيطنة المعارضين، وقتل المنتفضين لكرامتهم، وصولاً للانتخابات النيابية، متأمّلة بتعب الشعب واستسلامه وفقدانه الثقة بنفسه.

 

ومن اجل استكمال كافة تحضيراتها المافيوية للانتخابات النيابية يعمد افرقاء السلطة الى تدعيم حملاتها ضد الشعب بسلسلةٍ من المواقف الطائفية الزائفة، لتجرّ خلفها بعض الجهلة والانتفاعيين، فينتهي الاستخدام كالعادة عند اتمام الصفقات الوسخة، فلا الطائفة همّهم ولا الوطن ولا السيادة ولا الانسان، فظلّ هذه السلطة الاعوج المُضحّية بالمصلحة الوطنية من عودها الاعوج وذهنيتها المُلتوية، وتسوياتها العابرة للطوائف لا تحمل عيشاً مشتركاً وتفاهماً وانصهاراً وطنياً بل في خباياها روائح الخيانة الوطنية والتحالفات تارةً تحت شعار الممانعة وتارةً اخرى تحت شعارات المشرقية وتحالف الاقلّيات. انهم افرقاء سياسيون فشلوا في كل مشاريعهم الانمائية والاقتصادية والتعليمية والاستشفائية ورموا المسؤوليات بذلك خلف دخّان المعارك الوهمية المُذيّلة بالعنفوان الفارغ، فويلٌ لشعبٍ تخلّى عن ادراكه فاختار التعمية بالشمولية فاصبح ذخيرة المعارك الكاذبة، فخسر كرامته وماله ومصالحه ووطنه. إنّ افرقاء السلطة المُدركة لحجم الرفض الشعبي لها وكرْه الناس لشخصياتها ونبْذهم لمحورها لا امل لها في استعادة ثقة الناس بطروحاتها، ولذلك تُحاول ربح الوقت علّها تُعوّض القليل من خساراتها الشعبية بانتظار سراب التسويات الاقليمية، فويلٌ لشعبٍ إنخدع بالحلول الصورية فخسِرَ الحلول الحقيقية. فإن من بعدها سكت عن المُنافقين، مات، وإن إنتفض عليهم، عاد.

 

أمّا بالنسبة لمن إنتفض على الخطأ وحملَ شعاراتٍ جذّابة ولكنها تُخبئ نيات غير سليمة، من إسقاطٍ للنظام الى إسقاطٍ للقطاعات العامة والخاصة، الى إسقاطٍ لمميزات لبنان المُنفتح والحرّ، الى إسقاطٍ لكافة المعايير اللبنانية التي كانت خلف النجاحات على ارض الوطن وفي الاغتراب، الى مزايداتٍ على الاصلاحيين الحقيقيين الفعليين، فهؤلاء القادمون الى الساحة الانتخابية على صهوة الاتهامات جزافاً وشموليةً، عليهم الكشف عن هوياتهم الفكرية وعن طروحاتهم الاقتصادية، فالاعتراض على الخطأ ليس إنجازاً ومسؤوليتهم امام الشعب هي بتقديم البدائل الاقتصادية والاجتماعية والسيادية والدستورية والوجودية، والاجابة على مسائل وجودية، كحياد لبنان والهوية اللبنانية والدور الاقليمي لهذا الوطن المُعذّب، فالاقتباس عن الاسلوب السابق الذي اتبعه تيار الدجل والفشل لتحقيق التسونامي كان له الاثر المُدمِّر على الذين خدعهم، فويلٌ لشعبٍ خضع للمسرحيات مرّاتٍ ومرّات، ففقد القدرة على المحاسبة والوهرة على المُخادعين، والويل الويل لكل المنافقين، من فريقٍ سياسي لبناني الفكر والارث والنضال، عقَدَ العزم على مُكاشفة الجهتين، فمساوئهم متشابهة واضرارهم خطيرة، ويدعوهم لقراءة التاريخ القريب والبعيد، إنه “القوات اللبنانية”.