Site icon IMLebanon

بين السيئ والأسوأ.. ماذا يختار الحزب؟

 

السيئ بالنسبة إلى الثنائي “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” ومن يدور في فلكهما هو إجراء الانتخابات النيابية كون نتيجتها لن تأتي مبدئياً لمصلحتهم، والأسوأ إن حاول هذا الفريق تطيير الانتخابات تلافياً لنتائجها. لماذا؟

تؤكد معظم المؤشرات السياسية والاستطلاعية ان الفريق الحاكم اليوم لن يحتفظ بأكثريته النيابية بسبب نقمة الناس الواسعة على ممارسته السلطوية التي أوصلت البلد إلى انهيار غير مسبوق في تاريخ الجمهورية اللبنانية، ولذلك، ستشكّل الانتخابات مناسبة لاقتراع عقابي وانتقامي يُفقد هذا الفريق أكثريته، وهذا أمر شبه محسوم، ولكن ما هو غير محسوم كيفية تشكُّل الأكثرية الجديدة، ومدى قدرتها على التوافق لتأليف حكومة إمّا من الأكثرية الجديدة وتُبعد كلياً الأقلية النيابية عنها، وإما حكومة اختصاصيين مستقلين فعلية، إلا ان العقبة الأساسية الشرعية أمام حكومة أكثرية او مستقلين تكمن في رفض رئيس الجمهورية، الذي تنتهي ولايته بعد أقل من ستة أشهر على انتهاء الانتخابات، ان يوقِّع مرسوم تأليفها.

 

فالفريق الحاكم يخشى بالتأكيد ان يفقد أكثريته النيابية ويصبح وضعه السياسي رهن هذه الأكثرية وخطواتها التنفيذية واضطراره إلى اللجوء للتعطيل بدءاً من الفيتو المذهبي وصولا إلى استخدام السلاح، ولكن لا خيار أمامه سوى التعامل مع نتيجة انتخابات محسومة لغير مصلحته على غرار ما حصل في العراق، وجاء تصريح النائب محمد رعد المحذِّر من تأليف حكومة أكثرية ليؤكد هذا التوجه، إنما هل بإمكانه تعطيل الانتخابات تجنباً للتعامل مع نتائجها واضطراره الى تعطيل هذه النتائج ودخوله في مواجهات يفضِّل تجنّبها؟ وإذا خيِّر بين التعامل مع نتيجة انتخابية لغير مصلحته، وبين تطيير الانتخابات فماذا يختار؟

 

يجب التذكير أولاً انّ تعامل “حزب الله” مع نتيجة انتخابية لغير مصلحته ليست مسألة جديدة عليه، إنما خبرها في دورتين انتخابيتين متتاليتين (‪2009- 2005)، وبالتالي بإمكانه تكرار أسلوب تعامله نفسه في الحؤول دون تأليف حكومة إما سياسيا وإما بقوة الأمر الواقع، وذلك بمعزل عن نجاحه في التعطيل من عدمه، إلا انه يستفيد من دون شك في هذه الانتخابات بالذات من وجود حليفه الرئيس ميشال عون في سدة الرئاسة الأولى والذي لن يوقِّع مراسيم اي حكومة لا تناسبه ولا تناسب الحزب، كما يستفيد من ان عدم تشكيل حكومة بعد الانتخابات النيابية والدخول في الفراغ الرئاسي يؤدي إلى ضرب مومنتم الانتخابات وديناميتها، ويعيد إدخال البلاد في فراغ طويل تتحوّل الأنظار معه إلى الانتخابات الرئاسية، خصوصا انه من الصعوبة بمكان ان تنتزع الأكثرية الجديدة أكثرية الثلثين زائدا واحدا، ما يعني جعل الاستحقاق الرئاسي، كالعادة، عرضة للابتزاز والمقايضات.

 

وتبعاً لذلك، فإن من الأنسب لـ”حزب الله” إجراء الانتخابات والتعامل مع نتائجها وفق الآتي:

أولاً، سيُبقي “حزب الله” احتمال ربحه للأكثرية مجددا قائماً إن بالاتّكاء على غياب جبهة موحدة ضده، أو منطلقا من اعتبار انّ بإمكانه التعويض على التراجع العوني بدعمه لهذا الفريق انتخابياً، خصوصا انه ينطلق دائماً من تقديرات خاطئة لها علاقة بعامل قوته الذي ينعكس على نظرته وموضوعيته.

ثانياً، يعتمد الحزب على حليفه الرئيس عون للحؤول دون ترجمة الفوز النيابي حكومياً، وبالتالي في حال تشكُّل أكثرية جديدة فعلاً، فإنّ الحاجز الذي ستصطدم به هو رئيس الجمهورية الذي سيخيِّرها بين تأليف حكومة تأخذ في الاعتبار مصلحته ومصلحة الحزب، أو لا حكومة.

ثالثاً، يعتبر الحزب انه من الصعوبة على اي أكثرية بسيطة، في حال نجحت في توحيد صفوفها، ان تتجاوز الفيتو الشيعي المذهبي وما يمثّله الحزب وحليفه العوني وكل منظومة 8 آذار، وان تتخطى رئيس الجمهورية، وبالتالي يملك من أوراق القوة ما يكفي لخوض غمار الانتخابات وتعطيل نتائجها في حال أتت لغير مصلحته.

 

أما السيناريو الآخر المتعلِّق بالتمديد لمجلس النواب او تطيير الانتخابات فنتائجه ليست تحت سيطرة “حزب الله” ويمكن ان تجرّ البلد إلى الفوضى المؤسساتية، فيفقد مجلس النواب شرعيته الشعبية والسياسية، هذا عدا عن الاستقالات النيابية التي قد تُفقده نصاب النصف زائدا واحدا، وفراغ حكومي سيضاف إلى فراغ رئاسي، فيصبح البلد في وضع المكشوف دستورياً على وقع فراغ مؤسساتي وغضب شعبي جراء أوضاع مالية انهيارية واجتماعية صعبة للغاية، وبالتالي تصبح الفوضى الدستورية أمراً واقعاً، وتجرّ إلى فوضى على مستوى البلد برمّته.

 

وهذا السيناريو المعنون الفراغ في كل الرئاسات يقود إلى انكشاف البلد ودخوله في مرحلة قد تكون طويلة من الفراغ من جهة، وإلى مؤتمر وطني لإنهاء الفراغ من جهة أخرى، وهذا المؤتمر لن يكتفي بطبيعة الحال بالنظر إلى الفراغ الحاصل، لأنه لا يمكن إنهاء هذا الفراغ سوى في الاتفاق على رؤية وطنية شاملة على قاعدة الدولة والسيادة والدستور، فتكون البلاد بين طائف جديد بالحد الأقصى، ودوحة جديدة بالحد الأدنى.

 

ولكن الفارق بين عامي 2008 عندما حصل اتفاق الدوحة واليوم، ان الوضع انهار بالكامل ماليا وسياسيا، والناس لم تعد تقبل بأنصاف الحلول، والقوى السياسية وصلت إلى قناعة ان التجربة الممتدة منذ العام 1990 بشقيها السوري والإيراني لم تعد قابلة للاستمرار، وبكركي تتصدّر المطالبة بمؤتمر دولي يعيد الاعتبار للدولة اللبنانية. وبالتالي، من غير مصلحة “حزب الله” عدم إجراء الانتخابات وفتح الباب أمام تعرية المؤسسات الدستورية وخسارته ورقة الدولة التي تشكل غطاءً لدوره وسلاحه وسياساته ويُمسك عبرها بالقرار الاستراتيجي وسقوطها يؤدي إلى انكفائه داخل بيئته الشيعية ويدخل في مواجهة ودينامية من طبيعة أخرى.

 

ولكن ما استجدّ على هذا المستوى يكمن في المعادلة الجديدة التي تقصّد الرئيس ميشال عون وضعها في التداول السياسي والإعلامي من خلال المقابلة التي أجراها مع الأستاذ نقولا ناصيف، وهذه المعادلة تقوم على الآتي: خروجه من القصر الجمهوري مشروط بانتخاب رئيس جديد للجمهورية أو تأليف حكومة جديدة بعد الانتخابات النيابية كون صلاحيات رئيس الجمهورية لا تؤول، وفق قوله، إلى حكومة تصريف أعمال، ولكن ماذا لو تمّت عرقلة تأليف الحكومة، وهذا ما سيحصل، وعرقلة انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا ما سيحصل أيضاً؟ وهل هذا الكلام يعني بقاء الرئيس عون في القصر الجمهوري بعد انتهاء ولايته في 31 تشرين الأول 2022؟

 

بالتأكيد يعني كذلك، ويعني أيضاً ان الانتخابات النيابية حاصلة حتماً، لأن التمديد لمجلس النواب يعني استمرارا لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ويعني ان صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الفراغ تؤول إليها، وهذا ما لا يريده هذا الفريق من أجل بقاء عون في بعبدا. ولذلك، سيسعى إلى انتخابات نيابية بمعزل عن نتائجها من أجل تحويل حكومة ميقاتي إلى حكومة تصريف أعمال، وتعطيل أي إمكانية لتأليف حكومة جديدة، كما تعطيل أي إمكانية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولكن لماذا تقصّد في هذا التوقيت بالذات توجيه كلامه ورسائله ووضع معادلته الجديدة التي تُبقيه في القصر الجمهوري قيد التداول، خصوصاً ان استمراره في القصر يعني انقلاباً على الدستور ومزيداً من ترهُّل المؤسسات وانهيارها واضمحلالها والتمهيد لمؤتمر دولي للبنان؟

 

والتقدير الأولي لذلك انه أراد تخيير “حزب الله” بين السيئ والأسوأ: بين تبنّي ترشيح النائب جبران باسيل لرئاسة الجمهورية، وبين ان يبقى في القصر الجمهوري الذي يشكل مدخلا لمؤتمر دولي حول لبنان على غرار ما حصل معه في نهاية ثمانينات القرن الماضي، لأنّ استمراره في القصر يعني نهاية جمهورية العام 1990، الأمر الذي يريد تجنّبه الحزب اليوم بحفاظه على هذه الجمهورية التي يمسك بمفاصل قرارها، وبالتالي ماذا يختار الحزب، فهل يتبنى ترشيح باسيل على رغم المعارضة الواسعة داخل بيئته الطائفية والسياسية واللبنانية لهذا الخيار، أم يترك الأمور تأخذ مجراها على قاعدة “عندما نصل إليها نصلّي عليها”؟