Site icon IMLebanon

“الدستوري” يرفع منسوب التمديد

 

أطلقَ قرار المجلس الدستوري العد العكسي للانتخابات النيابية التي ستجري وسط ميزان قوى شعبي داخلي وخارجي ضد السلطة، فهل ستسلِّم الأخيرة بالنتيجة أم ستعمد إلى التمديد للبرلمان؟

 

لم يعد أمام الفريق الحاكم سوى التهيؤ لخسارة الأكثرية النيابية أو التمديد للبرلمان، خصوصا مع رفض المجلس الدستوري للطعن المقدّم من تكتل «لبنان القوي»، لأن الكتلة الناخبة الأكبر من المغتربين الذين تسجلوا للمشاركة في الانتخابات ستقترع ضد هذا الفريق إن لاعتبارات سيادية تاريخية، او لأسباب مالية حديثة دفعتهم إلى الهجرة بفعل الانهيار الحاصل، والكتلة المغتربة كفيلة لوحدها بترجيح كفة الانتخابات، فكيف بالحري مع حالة الغضب الشعبية الداخلية السائدة؟

 

وعلى رغم تكرار «حزب الله» مقولة حظره لاستخدام سلاح الأكثرية النيابية ضده، فإن هذا الحظر سيضعه في مواجهة المجلس النيابي الجديد والرأي العام اللبناني، ويدخله في مزيد من المواجهات التي هو في غنى عنها كونها ستزيد من حشرته السياسية، ويظهر في دور المعطِّل للديموقراطية والحياة السياسية، لأن تذرّعه بالديموقراطية التوافقية غير قابل للصرف مع فريق حكم لبنان وأوصله إلى الانهيار، وتشكل الانتخابات فرصة مزدوجة إن لكفّ يده عن الحكم، أو لإفساح المجال أمام الفريق الآخر لإخراج البلد من كبوته.

 

ولن يجد الحزب نفسه مضطرا لامتحان تعطيل نتائج انتخابات تحظى بدفع شعبي كبير وتعويل دولي يمكن ان يستدرج تدخلا دوليا او يستفزّ الناس ويدفعها إلى انتفاضة من دون سقوف بعدما عجزت عن التغيير بواسطة صناديق الاقتراع، لأن الانتخابات ستعبئ الناس التي عادت ودخلت في سبات بعد انتفاضتها في 17 تشرين، ولا مصلحة له بإيقاظها وتوجيهها ضده بشكل مباشر هذه المرة ومع ما تحظى به من غطاء دولي.

 

وكلام الحزب المكرر ان الفريق الخصم له لن يستطيع استخدام الأكثرية دليل واضح على قناعته بخسارته للأكثرية، وهذا الكلام قبل قرار المجلس الدستوري الذي أفسح في المجال أمام المغتربين للتصويت وتعميق خسارته وتثبيتها، وبالتالي يفضِّل التمديد لظروف قاهرة يصطنعها على ان يتعامل مع نتائج انتخابية محسومة ضد مصلحته.

 

وفي مطلق الأحوال يعيش ثنائي «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» أزمة عميقة وأزمة خيارات للاعتبارات الآتية:

 

الاعتبار الأول لأنّ نتيجة الانتخابات النيابية أصبحت شبه محسومة بأنها لن تكون لمصلحته، وعليه ان يتكيّف اعتبارا من اليوم مع نتيجتها، وإلّا تعطيل إتمامها بالذهاب إلى التمديد الذي لن يكون من السهولة بمكان تقطيعه في ظل النقمة الشعبية والضغط الدولي الذي وضع الانتخابات على أجندته ليس فقط من خلال التشديد في مواقف معلنة على ضرورة إجرائها ضمن المهلة الدستورية، إنما يحثّ اللبنانيين أيضا على المشاركة الكثيفة في هذا الاستحقاق، ويشجّع مجموعات وقوى على إحداث التغيير المطلوب بعدما وصل إلى قناعة ان الفريق الحاكم عاجز عن نقل لبنان إلى مرحلة جديدة، وهو الذي يعبِّر عنه صراحة في مواقفه ومآخذه على هذا الفريق.

 

الاعتبار الثاني لأنّ الأزمة المالية تختلف عن الأزمة السياسية التي يستطيع من خلالها أن يوحِّد صفوفه ويرصّها على غرار الانقسام في حقبة 8 و 14 آذار، والسلاح الذي استخدمه في معركته السياسية غير قابل للاستخدام في مواجهة الانهيار الذي أصاب كل الشعب اللبناني ويعجز عن إخراج البلد منه من دون مؤازرة المجتمع الدولي ودعم الدول الخليجية، الأمر الذي لا يمكنه الحصول عليه في ظل الشروط الدولية المتشددة في الجانب الإصلاحي.

 

الاعتبار الثالث لأنّ جبهته السياسية تصدّعت بسبب الأزمة المالية واختلاف الأولويات السلطوية، خصوصاً مع دخول العهد في العدّ العكسي لانتهاء ولايته الرئاسية من دون وجود أي أفق لكيفية احتفاظه بهذا الموقع مباشرة من خلال التمديد، أو مداورة عبر ترشيح النائب جبران باسيل على قاعدة إما باسيل أو الفراغ، وهذا ما يفسِّر التوتر في العلاقة بين الطرفين والمرشح توسُّع رقعته في المرحلة المقبلة في حال لم يتبنّ «حزب الله» ترشيح باسيل، لأنّ أولوية الأخير رئاسية بامتياز ولن يتخلى عن القصر الجمهوري بسهولة، ولأنه يعتبر انّ مَن أخلّ ويخلّ بالتفاهم هو الحزب الذي عليه ان يدعم خيارات التيار السلطوية، مقابل الغطاء الذي يوفِّره التيار للحزب، وهو غطاء مكلف وليس آخره العقوبات الأميركية والتي تختلف بين عقوبات على فريق شيعي وفريق مسيحي.

 

الاعتبار الرابع لأن «القلّة بتوَلِّد النقار»، والقلِّة لا تنحصر في الأزمة المالية غير المسبوقة، إنما في غياب البدائل والخيارات السياسية، وعلى وقع تململ شعبي كبير يحمِّل العهد والحزب وكل تحالف 8 آذار مسؤولية الانهيار الحاصل، وبالتالي يجد هذا الفريق نفسه غير قادر على التعويض في أي مجال من المجالات، وأبواب الإنقاذ المالية والسياسية مقفلة في وجهه، ولا أحد أساسا في وارد تعويمه، كما ان هذا التعويم غير متوافر طالما انه يُمسك بقرار السلطة.

 

الاعتبار الخامس هو مزيج من انهيار مالي وتفكُّك سياسي وغضب شعبي وشروط دولية ومقاطعة خليجية وغياب الحلول للأزمة القائمة وانتخابات نيابية تشكل فرصة شعبية للانتقام من السلطة واستحقاق رئاسي لم يحسم فيه الحزب الاتجاه الذي سيعتمده، والذي يزيد الشرخ بينه وبين التيار.

 

وسط كل هذه الصورة جاء قرار المجلس الدستوري بعدم قبول الطعن وفتح الباب أمام اقتراع المغتربين الكفيل بزيادة مأزق ثنائي «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» في حالتي ذهابه إلى انتخابات يخسر فيها الأكثريتين النيابية والمسيحية، أو ذهابه إلى التمديد، وعلى رغم التقاطع المصلحي بينهما وغياب اي حليف موضوعي للتيار وحاجتهما لاستمرار التحالف، إلا ان الحزب لا يستطيع عدم تسليف اي ورقة او موقف للتيار خصوصاً أنّ باسيل يُحمّل الحزب مسؤولية قرار الدستوري وشلّ الحكومة وتفاقم الانهيار بما يضاعف من أزمة العهد عشية الانتخابات، وبالتالي من المتوقّع ان يُبادر الحزب باتجاه العهد في خطوة معينة عملية قريباً تنفيساً للاحتقان بينهما، ولأنّ المصلحة المشتركة ما زالت تجمعهما، فلا الحزب يملك ترف التخلي عن غطاء التيار المسيحي والحجم البرلماني الذي يوفِّره له في ظل حصار خارجي محكم ضده، ولا التيار يملك ترف التخلي عن حليفه الوحيد القادر على حجز المواقع الرئاسية والوزارية له.

 

وإذا كان منسوب التمديد مرتفعا قبل قرار الدستوري، فإن هذا القرار سيضاعف من احتمالات التمديد الذي لا يمكن ان يتحقّق سوى من خلال خلق ظروف مواتية له بسبب الضغط الشعبي والدولي، ما يعني توقُّع حصول تطورات ميدانية غير محسوبة.

 

وما يمكن التوقُّف عنده يكمن في ثلاث حقائق أساسية:

 

الحقيقة الأولى ان الثنائي «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» في مأزومية سياسية عميقة يواجهها كل من موقعه من جهة، وعلى مستوى التحالف بينهما من جهة أخرى، خصوصا في حال لم يتبنَّ الحزب ترشيح باسيل رسميا على غرار ترشيحه لعون سابقا.

 

الحقيقة الثانية انّ حاجز الخوف سقطَ، ليس فقط على مستوى الرأي العام، إنما أيضا على مستوى المؤسسات داخل الدولة، وما يحصل داخل الجسم القضائي أقوى دليل على ذلك، وهذا الوضع مرشّح للتوسُّع والتمدُّد.

 

الحقيقة الثالثة ان الوضع اليوم يشبه إلى حد كبير الوضع عشية اتفاق الطائف ونهاية الحرب الأهلية، ما يعني ان التغيير آت حتماً وحكماً، لكنّ التوقيت يبقى مُبهماً بسبب ارتباطه بظروف داخلية وخارجية لم تكتمل عناصرها بعد.