IMLebanon

الإنتخابات النيابية مقاومة مدنية ضد المنظومة الحاكمة

 

«الى الانتخابات در». هذه هي توجيهات الأحزاب لمناصريها اليوم. لا حلول للأزمات التي تعصف بلبنان في الوقت الحالي. لا شيء إيجابياً يلوح في الأفق. لا حلول اقتصادية، ولا سياسيّة، ولا ماليّة ولا اجتماعيّة. لا شيء، المعاناة مستمرة، الطبقة السياسيّة الفاشلة والفاسدة تسوّق للانتخابات وتراهن عليها للحفاظ على تسلّطها. المعارضات المشتّتة هي الاخرى تعدّ العدّة على اعتبار ان هذه الانتخابات هي المسار الوحيد المتاح من أجل التغيير الموعود. حتى الدول الإقليمية والدول الكبرى متحمّسة لهذه الانتخابات وتراقبها عن كثب وتربط مستقبل لبنان بها.

 

لذا تتّخذ هذه الانتخابات أهمّية كبرى غير مسبوقة في تاريخ لبنان بالنظر الى التحدّيات الكبرى التي يمرّ بها الوطن، اذ لم يحدث في تاريخ لبنان ان سلطة تعاطت مع شعبها بهذه الخفّة وانعدام المسؤولية. كما لم يحدث أن تفرّدت سلطة بالقرار والتعيينات على انواعها من دون التزام مبادئ الكفاءة والنزاهة. لم يحدث ان سلطة سمحت لنفسها بضرب الدستور والقوانين واستهداف القضاء وتعطيل دوره وسرقة أموال الدولة والناس من دون أي محاسبة. ساذج من يظنّ أن هذه السلطة ستترك سدّة الحكم بسهولة، او أنها لن تستخدم كل ما لديها من نفوذ لضمان فوزها.

 

ومن يواكب الخطاب المستجدّ لأحزاب المنظومة الحاكمة يلمس أن خطابها التجييشي الجديد هو خطاب أقرب الى خطاب معارضة منه الى سلطة. في العادة، في موسم الانتخابات، تعمد الأحزاب الحاكمة الى اظهار إنجازاتها والتركيز على ما قامت به خلال فترة حكمها كي تقنع الناس بإعادة انتخابها. غير أن سياسيينا لم يجدوا شيئاً ايجابياً يفاخرون به، لذلك كان من الأسهل تبنّي خطاب المعارضة.

 

والخطاب هو من عدّة المعركة الانتخابية الى جانب أدوات أخرى تمتلكها المنظومة تتجسّد بالآتي:

• أداة المال: انه عصب الحياة السياسية وعصب الانتخابات، وهذا الامر ليس فقط في لبنان. لكن في الدول الديمقراطية تسعى القوانين الى ضبط قواعد اللعبة لضمان المساواة بين المرشحين. أمّا في لبنان فمن يملك المال والقدرة على استخدامه في المعركة هم أولاً أهل السلطة. ولا يستخدم المال فقط لتمويل الحملة من خلال دفع تكاليف الإعلانات، والحفلات، والنقل وغيرها. بل عندنا خاصيّة ما يسمّى المال السياسي، وهو يعني شراء أصوات الناخبين بطرق مختلفة. ويقال انها بدأت مع كميات المازوت والمواد الغذائية التي توزّع على الناخبين في بعض المناطق.

• أداة وسائل الاعلام: هي من الأدوات الحاسمة في المعركة الانتخابية، وربما هي الأهم. ولا يمكن فصلها عن المال، لأن من يملك المال باستطاعته أن يمتلك وسائل الاعلام وان يشتري المساحة الكافية لتسويق أفكاره وبرنامجه. ووسائل الاعلام في لبنان بغالبيتها تمتلكها المنظومة السياسية، وما لا تملكه تستطيع شراءه. هذا ما حصل في الانتخابات النيابيّة الأخيرة حين قامت محطات التلفزيون كلها، من دون استثناء، بتسعير فضائها بأرقام خيالية لا يستطيع دفعها الا أصحاب الملايين. وقد عجز كثير من المرشحين أن يطلّوا ولو مرّة واحدة عبر التلفزيون.

• أداة السلطة: من هو في السلطة يمتلك أدوات ليست في يد من هو في المعارضة. فالهرميّة الإدارية من محافظين وقائمقامين وقيّمين على الامن يأتمرون بمن هو في السلطة. لذلك في كل مرة يأخذ تعيين وزير الداخلية نقاشاً وتسويات لأنه المفتاح الاول للانتخابات. والهرميّة اليوم وادواتها هي بتصرّف المنظومة الحاكمة.

• أدوات الترغيب والترهيب: تملك المنظومة الممسكة بالسلطة منذ أكثر من 30 عاما شبكة كبيرة من المصالح والدوائر يرتبط بها عشرات آلاف الموظفين والمستفيدين، وهم بالطبع يأتمرون بأسيادهم سواء عن خوف أو عن مصلحة. وأدوات الترهيب والترغيب يمكن استعمالها ليس فقط مع الناخبين، بل حتى مع المرشّحين المحتملين ومع قادة الرأي. وكثيرون من هؤلاء لن يجرؤوا على الترشح في مناطق نفوذ قوى معينة سواء في الجنوب، أو الشمال، أو الجبل، أو غيرها، اذ يلزمهم رضى قوى الامر الواقع التي لن تسمح لهم اذا كان الامر لا يخدم مصالحها.

• أداة المعارضة: غالباً ما يكون الناخب مدعواً الى ان يختار بين مرشح السلطة ومرشح المعارضة. في لبنان بات مرشحو السلطة والمعارضة من المنظومة الحاكمة نفسها التي تسوّق نفسها معارضة ضد طرف اخر في السلطة. وكل من في السلطة يدّعي البراءة من مأساة المواطنين. وهكذا دواليك، حتى بات خطاب كل الطبقة السياسية خطابا معارضا. وهذا يسمح بشدّ العصبية الطائفية ويحاول طمس أهوال المنظومة الحاكمة.

منذ عام 1975 والشعب اللبناني بكل أطيافه يقاوم، منه من قاوم الهيمنة الفلسطينيّة، ومنه من قاوم الهيمنة السوريّة، ومنه من قاوم الاحتلال الإسرائيلي، وجميعهم دفعوا غالياً ضريبة دم ودموع وتهجير. اليوم، الشعب اللبناني بأكمله يقع تحت سيطرة طبقة سياسية سرقت الدولة، نهبت أموال الشعب، أفلست البلاد، ولا همّ عندها الا البقاء في السلطة واستمرار هيمنتها القائمة وتوريث السلطة لأبنائها. هي لا تخاف من محاسبة ولا تحسب للشعب حساباً. أضرارها على الوطن فاقت أضرار الهيمنات الأجنبية المتلاحقة.

صحيح أن المنظومة تمتلك كل أدوات المعركة الانتخابيّة، غير أن الشعب اللبناني حين قاوم الاحتلالات المتعاقبة لم يكن متقدّما عليها لا بالسلاح ولا بالعدد، وقد انتصر عليها بالإرادة والنضال. اليوم حان وقت المقاومة المدنيّة، وهي لا تقلّ أهمّية عن المقاومة العسكريّة. ان الشعب اللبناني مدعوّ اليوم الى الانتقال الى مقاومة مدنيّة من أجل إعادة بناء دولته من خلال إقصاء الطبقة السياسيّة الحاليّة وانتخاب مسؤولين نزيهين وكفوئين من مستوى رجال دولة.