IMLebanon

هل المقاطعة هي الحلّ؟

 

تتحدّث بعض المعلومات او حتى التسريبات، عن توجُّه الرئيس سعد الحريري لإعلان عزوفه وتياره عن المشاركة في الانتخابات النيابية، ولكن بانتظار الموقف الرسمي الذي سيصدر مساء اليوم، نكتفي بمقاربة مسألة أُثيرت في الأيام الأخيرة حول التوجّه إلى مقاطعة الانتخابات النيابية. فهل المقاطعة في محلها؟

الإنطباع العام السائد سياسياً وشعبياً انّ مقاطعة الانتخابات النيابية في العام 1992 كانت خاطئة وساهمت بمزيد من الإحباط المسيحي وخروجهم من الدولة وإمساك النظام السوري بمفاصل هذه الدولة، وهذا الانطباع ليس في محله، لأنّ المقاطعة كانت ناجحة جداً وشكّلت حدثاً تاريخياً استثنائياً، وهي أول انتفاضة لبنانية بعد الحرب الأهلية وسبقت انتفاضة ثورة الاستقلال بـ13 عاماً، ولم تعط انتفاضة المقاطعة رفضاً لتلزيم دمشق الملف اللبناني حقها، ومن الخطأ بل الخطيئة التعامل معها على انّها كانت خطوة في غير محلها.

 

والخطأ لم يكن في المقاطعة التي فعلت فعلها، ومن الصعوبة بمكان تكرارها كحدث يجب إنصافه وإنصاف الشعب اللبناني معه، الذي رفض تسليم لبنان إلى سوريا، إنما الخطأ كان في كيفية متابعة وترجمة تجاوب الشعب اللبناني الكبير والواسع مع المقاطعة، وبالتالي الخطأ لا تتحمّله الناس، بل بعض القيادات التي لم تُحسن متابعة تكليف الشريحة اللبنانية الأكبر لها في مواجهة مسار وضع اليد على لبنان الذي بدأ مع نهاية الحرب، فيما لو أحسنت هذه القيادات توحيد الصف والموقف لما نجح النظام السوري بإدامة احتلاله حتى العام 2005.

 

فمقاطعة العام 1992 كانت ناجحة جداً، والمشكلة في متابعة نتائج هذه المقاطعة، وأما المشاركة في ظلّ القانون الانتخابي الذي وضعته السلطة آنذاك فكانت ستؤدي حتماً إلى إنتاج أكثرية موالية للنظام السوري وأقلية معارضة له، وبالتالي كان النظام السوري الذي تقصّد تقريب موعد الانتخابات سيستفيد من الشرعية التي ستمنحه إيّاها الانتخابات، وبالتالي النتيجة التي آلت إليها الأمور مع المقاطعة كانت ستكون نفسها مع المشاركة، والحل الوحيد كان في التأسيس على المقاطعة من أجل إدارة مواجهة سياسية لم تحصل.

 

وما ينطبق على مقاطعة العام 1992 ينسحب على احتمال مقاطعة استحقاق 2022، لأنّه تأسيساً على التجربة السابقة، المشكلة ليست في المقاطعة ولا في نجاح هذه المقاطعة، إنما المشكلة في كيفية توظيف هذه المقاطعة في سياق المواجهة مع الفريق الذي يخطف الدولة في لبنان، اي بما يتجاوز تسجيل الموقف. فهل من استعداد مثلاً لمقاطعة عنوانها القطع النهائي مع «حزب الله» والقطيعة معه في كل المؤسسات وجوانب الحياة الوطنية والسياسية وصولاً إلى الطلاق الوطني والسياسي وتخوين كل من يتشارك معه في السلطة، وإطلاق مواجهة مفتوحة وتصاعدية ولا تقف سوى مع تدخُّل دولي يفرض مؤتمراً دولياً لتسوية نهائية في لبنان عنوانها الدولة والسيادة والدستور؟

 

فهل هناك استعداد لشيء من هذا القبيل، أم انّ المقاطعة هي لتبرير واقع ذاتي وشخصي، نتيجة عدم قدرة او عدم رغبة في المشاركة في الانتخابات النيابية، خصوصاً انّ طبيعة هذا الفريق لا توحي بالحدّية ولا بالمواجهة المفتوحة، باعتبار انّ كل مقارباته كانت تحت عنوان «أم الصبي» والتسويات التي تبقى أفضل من المواجهات، وبالتالي الانسحاب إن حصل قد يكون من منطلق ذاتي لا أكثر ولا أقل. ولكن أي دعوة للمقاطعة الوطنية للانتخابات لا تكون مصحوبة ببرنامج سياسي مع تحركات داخلية وخارجية تشكّل أكبر خدمة لفريق «حزب الله»، وذلك للأسباب الآتية:

 

أولاً، لأنّ «حزب الله» اليوم خلافاً لنظام الأسد بالأمس، لا يحظى بغطاء دولي ولا عربي، ولا بتكليف من قِبل واشنطن بإدارة الملف اللبناني، بل على العكس العقوبات الأميركية عليه متواصلة ومستمرة، وبالتالي لبنان بحصار دولي بسبب الحزب.

 

ثانياً، لأنّ النظام السوري كان يحظى في العام 1992 بتفهُّم او غض نظر عربي وخليجي تحديداً، فيما الدول الخليجية تقاطع لبنان اليوم بسبب «حزب الله» ودوره.

 

ثالثاً، لأنّ إمساك «حزب الله» بمفاصل الدولة أوصل لبنان إلى الانهيار والفشل والعزلة، وولّد قناعة لدى الرأي العام اللبناني انّ هذا الفريق لا يستطيع إدارة البلد، وانّ الفصل بين سلاحه والاقتصاد غير ممكن، وبالتالي هل يجوز بعد ان وصلت الناس إلى هذه القناعة بمواجهة هذا المشروع دعوتها للمقاطعة من دون برنامج سياسي؟

 

رابعاً، لأنّ الانتخابات النيابية المقبلة تحصل على وقع انهيار غير مسبوق، وانتفاضة تعبِّر عن نقمة واسعة، وخشية من قِبل «حزب الله» بفقدانه الأكثرية النيابية استبقها بالكلام عن الديموقراطية التوافقية، وبالتالي أين المصلحة في مقاطعة انتخابات سيخرج منها الحزب خاسراً؟

 

خامساً، لأنّ الانتخابات النيابية المقبلة تشكّل محطة مواجهة جديدة مع «حزب الله» يمكن استنفار الرأي العام فيها من أجل مزيد من تسجيل النقاط على الحزب ومشروعه، وإذا كانت الأكثرية في مرحلة سابقة لم تُستخدم بالشكل المطلوب فلأنّ هناك من كان يرفض المواجهة، وبالتالي بدلاً من الانسحاب يجب الذهاب نحو مواجهة هذا المشروع.

 

سادساً، لأنّ «حزب الله» في أسوأ لحظة ومرحلة سياسية: المجتمع الدولي يرفض مساعدة لبنان بسبب إدارة الحزب للدولة؛ لبنان يتعرّض لعزلة خليجية بسبب الحزب؛ لبنان انهار مالياً واقتصادياً ومعيشياً بسبب الحزب؛ الحزب غير قادر على قبع قاضٍ ولا منع وزير من الاستقالة ويضطر إلى التراجع عن المشاركة في الحكومة؛ وحيال كل هذه العناصر التي تعكس غضب الناس من الحزب من جهة، ومأزوميته وتخبُّطه من جهة ثانية، فإنّ المواجهة الانتخابية على وقع التعبئة الشعبية والإصرار على كفّ يده عن الحكم، ستزيد في محاصرته وتفاقم في مأزوميته.

 

سابعاً، لأنّ القوى والشخصيات المعارضة غير القادرة على الاتفاق على خوض الانتخابات في لوائح واحدة وموحّدة، لن تكون قادرة على خوض المقاطعة بتوجُّه واحد، ولا على الاتفاق على برنامج المواجهة الذي سيلي هذه المقاطعة، فضلاً عن انّ توجّهاً من هذا القبيل لا يُفرض على الآخرين وفي الأسابيع القليلة الفاصلة عن الانتخابات، إنما تتمّ التهيئة له بالشكل المطلوب والمدروس تحقيقاً لأهدافه المنشودة، ومن رفض الاستقالة من مجلس النواب تجنباً لعدم استفزاز الثنائي الشيعي وغيره، من الصعوبة بمكان ان يعلن المقاطعة مصحوبة ببرنامج مواجهة سياسية داخلية وخارجية.

 

ثامناً، العزوف عن المشاركة في الانتخابات بعنوان عدم وجود رغبة او تجاوب من الفريق الآخر لإخراج البلد من التأزُّم ليس دقيقاً، لأنّ الفريق الآخر لا يريد أساساً إخراج البلد من التأزُّم، والتوهُّم بأنّ هذا الفريق يريد مصلحة البلد هو خطأ بل خطيئة، باعتبار أنّ هذا الفريق بتكوينه وخلفيته وعقيدته وممارسته وأهدافه هو ضدّ البلد، ولا خيار سوى في مواجهته، والانتخابات النيابية محطة من محطات هذه المواجهة.

 

وعليه، فإنّ المقاطعة ليست حلاً طالماً أن لا اتفاق على الدعوة إليها ولا اتفاق على متابعة المواجهة بعد هذه المقاطعة، وفي المقابل تشكّل الانتخابات فرصة لتعزيز ظروف المواجهة مع «حزب الله» شعبياً ونيابياً وسياسياً ووطنياً.